فَرَقَّ قَلْبُهُ، وَقَالَ: ما أحْسَنَ هَذَا الكَلَامَ وأكْرَمَهُ، ما يَنْبَغِي لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الكَلَامَ أَنْ يُعْبَدُ مَعَهُ غَيْرُهُ، دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابٌ خَرَجَ إِلَيْهِ فَقَالَ له: أَبْشِر يا عُمَرُ، فَإِنِّي واللَّهِ لَأَرجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ"، فَاللَّهَ اللَّه يا عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَدُلَّنِي يا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ، فَقَالَ له خَبَّابٌ: هُوَ في دارِ أَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ بِأَسْفَلِ الصَّفَا، مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ، فتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأَصْحَابِهِ في دَارِ الأَرْقَمِ، فَضَرَبَ البَابَ، فَقامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فنَظرَ مِنْ خَلَلِ (١) البابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، وَوَجِلَ القَوْمُ، فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ -رضي اللَّه عنه-: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: افْتَحُوا لَهُ البَابَ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْناهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ائْذَنْ لَهُ"، فَفَتَحُوا لَهُ، ونَهَضَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى لَقِيَهُ، فَأَخَذَ بِمَجامِعِ ثَوْبِهِ، ثُمَّ جَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، فَمَا تَمالَكَ عُمَرُ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكبتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا جَاءَ بِكَ يا ابْنَ الخَطَّابِ؟ ، فَواللَّهِ مَا أرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللَّهُ بِكَ قَارِعَةً".
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! جِئْتُ لِأُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ
(١) خَلَلُ البابِ: شِقُّ البابِ أو الفُرْجَةُ. انظر النهاية (٢/ ٦٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute