للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ، ثُمَّ قَالَ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قَدْ سَمِعْتَ يَا أبَا الوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ، فَأَنْتَ وَذَاكَ! " (١).

وفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ: أَنَّ عُتْبَةَ اسْتَمَعَ حتَّى وَصَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى قَوْلهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (٢)، فَقَامَ عُتْبَةُ مَذْعُورًا، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ، وذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعَ النَّذِيرُ (٣).

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الحَسَنِ النَّدْوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كُلَّ ذَلِكَ فِي هُدُوءٍ وتَأَنٍّ، ثُمَّ رَفَضَهُ فِي غَيْرِ شَكٍّ وتَأْخِيرٍ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا العَرْضُ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَخْصِ الرَّسُولِ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَحَسْبُ، بَلْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ التِي يُمَثِّلُهَا ويَقُودُهَا، وَلَمْ يَكُنْ رَفْضُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- لِمَا عَرَضَتْ قُرَيْشٌ، رَفْضًا عَنْ نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ فَقَطْ، بَلْ كَانَ رَفْضًا عَنْ أُمَّتِهِ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ. . . فَاقْتَنَعَتْ قُرَيْشٌ بِهَذِهِ المُحَاوَرَةِ، ويَئِسَتْ مِنْ مُسَاوَمَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَلَمْ تَعُدْ تَعْرِضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مُباشَرَةً، وَعَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِوَاسِطَةٍ مَا عَرَضَتْهُ مِنْ قَبْلُ، وقَطَعَتْ مِنْهَا أَمَلَهَا (٤).


(١) انظر سيرة ابن هشام (١/ ٣٣٠) - الرَّوْض الأُنُف (٢/ ٤٧).
(٢) سورة فصلت آية (١٣).
(٣) انظر دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٢٠٤ - ٢٠٥).
(٤) انظر كتاب إلى الإسلام من جديد لأبي الحسن النَّدْوي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>