للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبَيْنَكُمْ قَالُوا: فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، ويُرَاجِعُنَا عَنْكَ، وسَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جِنَانًا وقُصورًا وكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وفِضَّةٍ، يُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ، وتَلْتَمِسُ المَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُ، حتَّى نَعْرِفَ فَضْلَكَ ومَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إِنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا أنَا بِفَاعِلٍ، ومَا أنَا بِالذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا (١)، وَمَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ بِهَذَا، ولَكِنَّ اللَّه بَعَثَنِي بَشِيرًا ونَذِيرًا، فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أصبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وبَيْنَكُمْ".

قَالُوا: فأسْقِطِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا (٢)، كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إِنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لا نُؤْمِنُ لَكَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ".

قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أفَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ، ونَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، ونَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمَ إلَيْكَ فَيُعْلِمَكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، ويُخْبِرَكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا، إِذَا لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتَنَا بِهِ؟ .

إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنَّكَ إِنَّمَا يُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِاليَمَامَةِ، يُقَالُ لَهُ: الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا


(١) قال الدكتور محمد أبو شهبة في كتابه السِّيرة النَّبوِيَّة (١/ ٣١٦): لأنه لا يسألُ هذا إلا من جَهِلَ رسالتَهُ، وجهِلَ سُنَنَ ربهِ، ورَسُول اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بريءٌ منهما.
(٢) قال ابن هشام في السيرة (١/ ٣٤٧): الكِسَفُ: القِطَعُ منَ العَذَابِ، وواحدتهُ: كِسْفَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>