حَمْزَةَ وعُمَرَ قَدْ أسْلَمَا، وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ في قبائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، ولْيُعْطِهِ مِنَّا، وَاللَّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزُّونَا (١) أَمْرَنَا.
فَمَشَى إِلَيْهِ أشْرَافُهُمْ، وَكَانُوا خَمْسَةٌ وعِشْرُونَ رَجُلًا، مِنْهُمْ: عُتْبَةُ وشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وأَبُو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ، وأَبُو سُفْيَانَ بنُ حَرْبٍ، وَالعَاصُ بنُ وَائِلٍ، والأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، والأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثَ، فَقَدَّمُوا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَاسْتَأْذَنَ لَهُمْ عَلَى أَبِي طَالِبٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالُوا: يَا أبَا طَالِبٍ! إِنَّكَ كَبِيرُنَا وسَيِّدُنَا، فَأَنْصِفْنَا مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَمُرْهُ فَلْيَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا ونَدَعَهُ وإِلَهَهُ -وفِي لفظٍ: قَالُوا يَا أبَا طَالِبٍ! إِنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى، وتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ الذِي بَيْنَنَا وبَيْنَ ابْنِ أخِيكَ، فَادْعُهُ، فَخُذْ لَه مِنَّا، وخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفَّ عَنْهُ، وَنَكُفَّ عَنْهُ، وليَدَعَنَا ودِينَنَا، ونَدَعَهُ ودِينَهُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَدَخَلَ البَيْتَ، وبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِس رَجُلٍ، فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ إِنْ جَلَسَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ، فَوَثَبَ فَجَلَسَ في ذَلِكَ المَجْلِسِ، وَلَمْ يَجِدِ
(١) ابتَزَّهُ: أي قَهَرَهُ وغَلَبَهُ. انظر النهاية (١/ ١٢٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute