للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ، ويَصِلُ الرَّحِمَ، ويَحْمِلُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضيْفَ، ويُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ؟ .

فَلَمْ تَكْذِبْ (١) قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابنِ الدُّغُنَّةِ، وقَالُوا لِابْنِ الدُّغُنَّةِ: مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبّه في دَارِهِ، فَلْيُصَلِّ فِيهَا ولْيَقْرَأْ مَا شَاءَ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وأبْنَاءَنَا، فَقَالَ ذَلِكَ ابنُ الدُّغُنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ، فَلَبِثَ أَبُو بَكْرٍ لِذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ في دَارِهِ، ولَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ ولَا يَقْرَأُ في غَيْرِ دَارِهِ، ثُمَّ بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ (٢) فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ (٣) وكَانَ يُصلِّي فِيهِ، ويَقْرَأُ القُرْآنَ فَيَنْقَذِفُ (٤) عَلَيْهِ نِسَاءُ المُشْرِكِينَ وأبْنَاؤُهُمْ، وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ ويَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وكَانَ أَبُو بَكْر رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ (٥) إِذَا قَرَأَ


= واستَنْبَطَ بعضُ المالكيةِ مِنْ هذا أَنَّ من كانت فيه مَنفعة مُتَعَدِّية لا يُمكّن من الانتقالِ عن البَلَدِ إلى غيرِهِ بغيرِ ضَرُوَةٍ رَاجِحَةٍ.
(١) قال الحافظ في الفتح (٧/ ٦٤٠): أي لَمْ تَرُدَّ عليه قوله في أمَانِ أبي بَكر -رضي اللَّه عنه-، وكل من كَذَّبَكَ فقد رَدَّ قولك.
(٢) قال الحافظ في الفتح (٧/ ٦٤٠): أي ظَهَرَ له رأيٌ غيرُ الرأي الأول.
(٣) الفِنَاء: بكسر الفَاء، وهو المُتَّسَعُ أمَامَ الدَّار. انظر النهاية (٣/ ٤٢٨).
(٤) في رواية أخرى في صحيح البخاري - رقم الحديث (٢٢٩٧) -: فيتَقَصَّفُ: أي يزدَحِمُونَ عليه. انظر النهاية (٤/ ٦٥).
قال الدكتور محمد أبو شهبة في كتابه السِّيرة النَّبوِيَّة (١/ ٣٨٣): وهذه القصة تَدُل دلالةً واضحة على تأثيرِ القرآن وإعجازِهِ البيانِيِّ والبلاغي في نُفوس العَرَب الخُلَّصِ، وسَواء في ذلك الرجال والنساء، بل والصبيان.
قلتُ: قد مرَّ معنا تأثير القرآنِ علي العرب في قِصَّةِ سجودِ الكفار عندما نزلت سورة النجم.
(٥) قال الحافظ في الفتح (٧/ ٦٤١): أي لا يُطِيقُ إمساكهُمَا عن البُكَاءَ من رقَّةِ قلبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>