للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُسْرِيَ بِي فِيهَا، أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ: مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ ".

قَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا.

قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟

قَالَ: بَيْنَا هِيَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ سَقَطَتْ المِدْرَى (١) مِنْ يَدِهَا، فَقَالَتْ: "بِسْمِ اللَّهِ". فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ.

قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ! قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبًّا غَيْرِي؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ.

قَالَ: فَأَمَرَ بِنُقْرَةٍ (٢) مِنْ نُحَاسٍ فَأَحْمِيَتْ، ثُمَّ أُمِرَ بِهَا أَنْ تُلَقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَّا، قَالَ: ذَاكَ لَكِ عَلَيْنَا، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا، وَاحِدًا وَاحِدًا، إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، كَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ: قَالَ: يَا أُمَّه، اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ.


(١) قال السندي في شرح المسند (٣/ ٩٢): المِدْرى: بكسر الميم ما يُسَوَّى به شعر الرأس.
(٢) النُّقْرَة: قِدْرٌ يسَخَّن فيها الماءُ وغيره. انظر النهاية (٥/ ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>