للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} (١) فَهُوَ غَيْرُ الدُّنُوِّ والتَّدَلِّي فِي قِصَّةِ الإِسْرَاءِ، فَإِنَّ الذِي فِي سُورَةِ النَّجْمِ هُوَ دَنُوُّ جِبْرِيلَ وتَدَلِّيهِ، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ وابنُ مَسْعُودٍ، والسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (٢) وَهُوَ جِبْرِيلُ {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} فَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَا المُعَلِّمِ الشَّدِيدِ القُوَى، وَهُوَ ذُو المِرَّةِ، أيِ: القُوَّةِ، وهُوَ الذِي اسْتَوَى بِالأُفُقِ الأَعْلَى، وَهُوَ الذِي دَنَى فتَدَلَّى، فكَانَ مِنْ مُحَمَّدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْرَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٣).

وَقَالَ الإِمَامُ الذَّهَبِيُّ: فِي قَوْلهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رَأَيْتُ رَبِّي" (٤) قَالَ: مَا قَيَّدَ الرُّؤْيَةَ بِالنَّوْمِ، وبَعْضُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رَأَى رَبّه لَيْلة المِعْرَاجِ يَحْتَجُّ بِظَاهِرِ الحَدِيثِ، والذِي دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ مَعَ إمْكَانِهَا، فنَقِفُ عَنْ هَذِهِ المَسْأَلةِ، فَإِنَّ "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ" (٥)، فَإِثْبَاتُ ذَلِكَ أَوْ نَفْيُهُ صَعْبٌ، والوُقُوفُ سَبِيلُ السَّلَامَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِذَا ثَبَتَ شَيْءٌ قُلْنَا بِهِ، وَلَا نُعَنِّفُ مَنْ أثْبَتَ الرُّؤْيَةَ لِنَبِيِّنَا -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الدُّنْيَا، وَلَا مَنْ نَفَاهَا، بَلْ نَقُولُ: اللَّهُ وَرَسُوله أعْلَمُ، بَلْ نُعَنِّفُ وَنُبَدِّعُ مَنْ أنْكَرَ الرُّؤْيَةَ فِي الآخِرَةِ، إِذْ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى


(١) سورة النجم آية (٨).
(٢) سورة النجم آية (٥).
(٣) انظر زاد المعاد (٣/ ٣٤).
(٤) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٥٨٠) وإسناده صحيح.
(٥) هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (١٧٣٧) وأخرجه الترمذي في جامعه - كتاب الزهد - باب رقم (٩) - رقم الحديث (٢٤٧٠) وإسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>