إلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا عَبْدَ المُطَّلِبِ إنَّهَا بِئْرُ أبِينَا إسْمَاعِيلَ، وإنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا، فَقَالَ: مَا أنَا بِفَاعِلٍ، إِن هَذَا الأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ، وأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ، فَقَالُوا لَهُ: فأنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا، قَالَ: فَاجْعَلُوا بَيْنِي وبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ، قَالُوا: كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ "هُذَيْمٌ" قَالَ: نَعَمْ، وكَانَتْ فِي مَنْطِقَةِ مَعَانٍ مِنْ مَشَارِفِ الشَّامِ، فَخَرَجَوُا إلَيْهَا، وخَرَجَ مَعَ عَبْدِ المُطَّلِبِ عِشْرُونَ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِعِشْرِينَ رَجلٍ مِنْ قَبَائِلِهَا فَلَمَّا كَانُوا بِالفَقِيرِ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِ أَوْ حَذْوِهِ فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وأصْحَابِهِ، فَظَمِئُوا حتَّى أيْقَنُوا بالهَلَكَةِ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: إنَّا بِمَفَازَةٍ، ونَحْنُ نَخْشَى عَلَى أنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أصَابَكُمْ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ المُطَّلِبِ مَا صَنَعَ القَوْمُ، ومَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وأصْحَابِهِ، قَالَ: مَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَإِنِّي أرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمُ الآنَ مِنْ الْقُوَّةِ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارُوهُ، حتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا، فَحَفَرُوا القُبُورَ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ المَوْتَ عَطَشًا، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ المُطَّلِبِ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ، لَا نَضْرِبُ فِي الأرْضِ ولَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا، لَعَجْزٌ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ البِلَادِ، ارْتَحِلُوا، وَقَامَ عَبْدُ المُطَّلِبِ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا، فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ، انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَكَبَّر عَبْدُ المُطَّلِبِ، وَكَبَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute