للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَرْقِي (١) مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ (٢)، قَدِمَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا، فَجَلَسَ مَجْلِسًا فِيهِ أَبُو جَهْلٍ، وَعُتْبَةُ بنُ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَذَا الرَّجُلُ الذِي فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَأَضَلَّ مَنْ مَاتَ مِنَّا، وَعَابَ آلِهَتَنَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ: الرَّجُلُ مَجْنُونٌ غَيْرُ شَكٍّ، قَالَ ضِمَادُ: فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِي كَلِمَتُهُ، فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيَهُ عَلَى يَدَيَّ، فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدَيَّ مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الحَمْدَ للَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ. . . "

فَقَالَ ضِمَادُ بنُ ثَعْلَبَةَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءَ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءَ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلقدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ (٣) البَحْرِ.

فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلَامِ، فَبَايَعَهُ.


= مِنْ قَولكَ رَجُلٌ فِيهِ شَنُوءَةٌ أيْ تَقَزُّزٌ، وهُمْ حَيٌّ مِنْ اليَمَنِ.
(١) يُقالُ رَقَى الرَّاقِي رُقْيَةً: إِذَا عَوَّذَ وَنَفَثَ في عُوذَتِهِ. انظر لِسَانَ العَرَبِ (٥/ ٢٩٣).
وَقَالَ ابنُ الأثِيرِ: الرُّقْتةُ: العُوذَةُ التِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الآفَةِ كالحُمَّى وَالصَّرَعِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الآفَاتِ. انظر النِّهَايَةَ (٢/ ٢٣١).
(٢) قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِي في شَرْحِ مُسْلِمٍ (٦/ ١٣٧): المُرَادُ بِالرِّيحِ هُنَا الجُنُونُ، وَمَسُّ الجِنُّ.
(٣) نَاعُوسٌ: هكذا في صحيح مسلم، وفي غَيْره: قَامُوسُ البَحْرِ: وهو وسَطُهُ ولُجَّتُهُ. انظر صحيح مسلم بشرح النووي (٦/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>