للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ مِنَ الآفَاقِ البَعِيدَةِ فيزَوِّدُهُ قَوْمُهُ بِهذِهِ الوَصَاةِ: احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنُكَ (١).

وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي هذَا الجَوِّ القَابِضِ، لَمْ يُخَامِر (٢) اليَأْسُ قَلْبَهُ، وَاسْتَمَرَّ مُثَابِرًا فِي جِهادِ الدَّعوَةِ حَتَّى تَأَذَّنَ الحَقُّ أَخِيرًا بِالفَرَجِ (٣).

دَخَلَت السَّنَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ البِعثَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَقُومُ بِالدَّعوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا يَفْتُرُ عَنْ ذَلِكَ رغْمَ ازْدِيَادِ تَضْيِيقِ قُرَيْشٍ عَلَيْهِ، وَإِثَارَتِهِمْ حَوْلَهُ الشَّائِعَاتِ، وَالأَكَاذِيبِ لِيَصُدُّوا النَّاسَ عَن الِاسْتِجَابَةِ لَهُ، فَلَمَّا اقْترَبَ مَوْسِمُ الحَجِّ مِنْ هذِهِ السَّنَةِ رَاحَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَسْتَعِدُّ لِدَعْوَةِ الوُفُودِ وَالقَبَائِلِ، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ.

فَلَمَّا كَانَ مَوْسِمُ حَجِّ السَّنَةِ الحَادِيَةِ عَشْرَةَ مِنَ البعثَةِ، وَأَرَادَ اللَّه عَزَّ رَجَلَّ إِظْهار دِينِهِ، وَإِعْزَازَ نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ العَقَبَةِ (٤) لَقِيَ رَهْطًا (٥) مِنْ الخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا، فَقَالَ


(١) هذا جُزءٌ من حَديثٍ أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسندٍ صحيح على شرط مسلم - رقم الحديث (١٤٤٥٦) - وقد مَرَّ قبلَ قَلِيلٍ.
(٢) التَّخْمِيرُ: التَّغْطِيَةُ. انظر لسان العرب (٤/ ٢١١).
(٣) انظر فِقة السيرة للشيخ محمد الغزالي رحمه اللَّه تعالى ص ١٤٠.
(٤) العَقَبَةُ: الجَبَلُ الطَّويل -يعرض للطريق فيأخذ فيهِ- وهو طَوِيلٌ صعْبٌ شَدِيد. انظر لسان العرب (٩/ ٣٠٦).
(٥) الرَّهْطُ: ما دُونَ العشرة. انظر لسان العرب (٥/ ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>