للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالأَرْضِ عَدَوا عَلَيْهِ، فَأَوْثَقَاهُ، وَرَبَطَاهُ، ثُمَّ دَخَلَا بِهِ مَكَّةَ، وَفَتَنَاهُ، فَافْتَتَنَ، وَكَانَ دُخُولُهُمَا بِهِ مَكَّة نَهَارًا مُوثَقًا، فَصَارَا يَقُولَانِ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ، كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا (١).

رَوَى ابنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: فَكُنَّا نَقُولُ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِمَّنِ افْتُتَنَ صَرْفًا (٢) وَلَا عَدْلًا (٣) وَلَا تَوْبَةً، قَوْمٌ عَرَفُوا اللَّهَ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الكُفْرِ لِبَلَاءَ أَصَابَهُمْ، وَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ، وَفِي قَوْلنَا، وَقَوْلهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (٤).

فَكتَبَهَا عُمَرُ -رضي اللَّه عنه- بِيَدِهِ فِي صَحِيفَةٍ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى هِشَامِ بنِ العَاصِ، قَالَ هِشَامٌ: فَلَمَّا أَتَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا بِذِي طُوَى (٥)، أُصَعِّدُ بِهَا فِيهِ وَأُصَوِّبُ، وَلَا أَفْهَمُهَا، حَتَّى قُلْتُ: اللَّهُمَّ فَهِّمْنِيهَا، قَالَ: فَأْلقى اللَّهُ فِي قَلْبِي أَنَّهَا إِنَّمَا أُنْزِلَتْ


(١) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٨٨).
(٢) الصَّرْف: التَّوبة. انظر النهاية (٣/ ٢٣).
(٣) العَدْلُ: الفِدْيَة. انظر النهاية (٣/ ٢٣).
(٤) سورة الزمر آية (٥٣ - ٥٥).
(٥) ذِي طُوى: بضم الطاء وفتح الواو المخفَّفة، موضعٌ بأسفلِ مَكة. انظر النهاية (٣/ ١٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>