للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ (١) ثَلَاثَ ليَالٍ (٢).

فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الغَارِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِيَ (٣) لَكَ الغَارَ، فَدَخَلَ وَاسْتَبْرَاهُ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَبْرِي الجُحْرَ الذِي فِيهِ، فَقَالَ: مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى أَسْتَبْرِيَ، فَدَخَلَ فَاسْتَبْرَى، ثُمَّ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فنَزَلَ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- فِي الغَارِ (٤).


(١) في رواية ابن حبان في صحيحه - رقم الحديث (٦٢٧٩) قالت عائشة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا: فركِبَا حتَّى أَتَيَا الغارَ وهو ثَوْرٌ، فتوَارَيَا فيه.
قال الشيخ علي الطنطاوي في كتابه رجال من التاريخ ص ٢٨: هاجر -صلى اللَّه عليه وسلم- مُخَتَفيًا مع صَفِيِّه وخليلهِ شيخِ المسلمين أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، لم يخْتَفِ -صلى اللَّه عليه وسلم- من ضَعْفٍ ولا جُبْنٍ، ولكنه كان كالقائدِ المُسَافر ليُدِيرَ المعركةَ الكبرى، فهل يُظْهِرُ نفسهُ ويقِفُ على الطريق، ليُحَارِبَ فصِيلةً لَحِقَتْ بهِ، فيَظْفَرَ عليها، ويُعَطِّلَ المعركة الكبرى؟
إنها تنتظرُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- معارك أكبر، تنَتِظُره بدرٌ، والفتحُ، وهوازِن، والقادِسِيَّة، واليرمُوك، وجبلُ طَارق، ومعاركُ الفتح الإسلامي، التي امتدَّت من بعده، سلسِلَة مُظَفّرة خيِّرة، نثرَتْ شُهَداء الحقِّ فِي كل أرض، ونصَبَتْ رايةَ العدلِ على كل جبل، وأضاءت بالإسلام القُلُوب والبلادَ فِي كل مكانٍ، وتنتظرُه -صلى اللَّه عليه وسلم- المعركة مع الجَهْلِ والفَقْرِ والظلم والفُسُوقِ، وسائرِ الأوضاعِ الخلقيَّة التي جاء ليُطَهِّر المجتمع البشري من آثارِها.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب هجرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (٣٩٠٥).
(٣) أستَبْرِي: أي أختَبِرَهُ وأنظُرَ هل فيهِ أحدٌ أو شيءٌ يُؤْذِي. انظر النهاية (٢/ ٣٠١).
(٤) أخرج ذلك: البيهقي فِي دلائل النبوة (٢/ ٤٧٦) بإسناد مرسل؛ لأنه موقُوفٌ على ابن سِيرِين - وابن سيرين لم يُدْرِك عمر - وأخرجه الحاكم في المستدرك - رقم الحديث (٤٣٢٧) - وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين لولا إرسال فيه - ولم يخرجاه - ووافقه الذهبي في تلخيصه.

<<  <  ج: ص:  >  >>