للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَحْتَ لِوَائِهَا تَوَحَّدَتِ الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ، وَأَصْبَحَتْ هِيَ العَاصِمَةُ وَالمَرْكَزُ وَالقَلْبُ. . . وَبَيْنَ رُبُوعِهَا قَامَتْ أَوَّلُ جَمَاعَةٍ عَلَى أَسَاسِ العَقِيدَةِ، لَا عَلَى أَسَاسِ القَبِيلَةِ، وَمِنْهَا بَعَثَ العَرَبُ قُوَّةً مُحَرِكَّةً فَعَالَةً لِأَدَاءِ رِسَالَتِهِمُ الإِسْلَامِيَّةِ.

٤ - وَبِالهِجْرَةِ تَغَيَّرَتْ حَيَاةُ العَرَبِ مِنْ قَوْمٍ يَشِنُّونَ الحُرُوبَ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ لِأَتْفَهِ الأَسْبَابِ إِلَى أَصْحَابِ قِيمٍ وَمبَادِئَ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ، وَقَوِيتْ رَوَابِطُ الأُخُوَّةِ وَالمَحَبَّةِ بِيْنَهُمْ، وَزَالَتْ بَوَاعِثُ البُغْضِ وَالكَرَاهِيَةِ وَالثَّأْرِ وَالِانْتِقَامِ حَتَّى أَنَّ الأَنْصَارَ وَالمُهَاجِرِبنَ اقْتَسَمُوا دُورَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَاشْترَكُوا فِي مَشَاعِرَ وَاحِدَةٍ مُتَعَاوِنِينَ مُتَرَاحِمِينَ، وَقَدْ حَرَّرَهُمُ الإِسْلَامُ مِنَ التَّقْلِيدِ وَالجَهَالَةِ وَالرَّذِيلَةِ، وَجَمَعَهُمْ عَلَى الأَخْلَاقِ فَعَمَّتِ الفَضِيلَةُ وَانْتَشَرَتِ العُلُومُ وَالمَعَارِفُ وَاخْتَفَى الجَهْلُ وَالجَاهِلِيَّةُ.

قَالَ الفَيْلَسُوفُ الإِنْجِلِيزِيُّ (تُومَاسْ كَارْلِيلْ) عَنِ العَرَبِ:

قَوْمٌ يَضْرِبُونَ فِي الصَّحْرَاءِ لَا يُعْتَنَى بِهِمْ عِدَّةَ قُرُونٍ، فَلَمَّا جَاءَهُمُ النَّبِيُّ العَرَبِيُّ صَارُوا قِبْلَةَ الأَنْظَارِ فِي العُلُومِ وَالمَعَارِفِ، وَكَثُرُوا بَعْدَ أَنْ كَانُوا قِلَّةً، وَعَزُّوا بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَذِلَّاءَ، وَلَمْ يَمْضِ قَرْنٌ بَعْدَ الإِسْلَامِ حَتَّى اسْتَضَاءَتْ أَطْرَافُ الأَرْضِ بِعُقُولهِمْ وَعُلُومِهِمْ.

٥ - ظَهَرَتْ بِالهِجْرَةِ أُمَّةٌ إِسْلَامِيَّةٌ جَمَعَهَا الإِسْلَامُ، وَلَمْ تَجْمَعْهَا عَصَبِيَّاتٌ قَبَلِيَّةٌ، فَتَمَيَّزَتْ فِي تَكْوِينهَا، وَكَانَتْ حَضَارَتُهَا سَامِقَةً بَيْنَ حَضَارَاتِ التَّارِيخِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>