للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْترَعَتِ الأَنْصَارُ عَلَى سَكَنِهِمْ (١).

ولقدْ ضَرَبَ الأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أرْوَعَ الأمْثِلَةِ في الإيثَارِ لِإِخْوَانِهِمُ المُهَاجِرِينَ، فَقَدْ أخْرَجَ الشَّيْخَانِ في صَحِيحَيْهِمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ -أي المُهَاجِرُونَ- آخَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ وسَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ: إنِّي أكْثَرُ الأَنْصَارِ مالًا، فَاقْسِمْ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَلِيَ امْرَأَتَانِ، فَانْظُرْ أعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقُهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فتَزَوَّجْهَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ -رضي اللَّه عنه-: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ وَمَالِكَ (٢)، أيْنَ سُوقُكُمْ؟ .

فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنقَاعَ (٣)، فَمَا انْقَلَبَ (٤) إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ (٥) وسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ (٦)، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ (٧)، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-:


(١) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب مناقب الأنصار - باب مقدم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه إلى المدينة - رقم الحديث (٣٩٢٩) - وأخرجه في كتاب التعبير - باب العين الجارية في المنام - رقم الحديث (٧٠١٨). وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٧٤٥٨).
(٢) قال الشَّيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة ص ١٨٠: . . . وقد قَدَّر المهاجرون هذا البَذْل الخَالِصَ فما استَغَلُّوه، ولا نالوا منه إِلَّا بَقْدِر ما يتوَجَّهُون إلى العَمَل الحُرِّ الشَّريف.
(٣) قال الحافظ في الفتح (٥/ ٧): بنو قَيْنُقَاع: بفتح القاف: هي قَبِيلَةُ من اليهودِ نُسِبَ السُّوق إليهم.
(٤) فما انقَلَبَ: أي فما رَجَع. انظر النهاية (٤/ ٨٥).
(٥) الأقِطُ: هو لَبَنٌ مُجَفَّف يابِسٌ. انظر النهاية (١/ ٥٩).
(٦) قال الحافظ في الفتح (٥/ ٧): أي داومُ الذهَابِ إلى السُّوق للتِّجارة.
(٧) قال الحافظ (١٠/ ٢٩٢): المُرَادُ بالصُّفْرَةِ صُفْرَةُ الخَلُوقِ، والخَلُوق طِيبٌ يُصنع من زَعْفَرَان وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>