للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخْرَجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ في مُسْنَدِهِ، والتِّرْمِذِيُّ، وابْنُ مَاجَه في السُّنَنِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ سَلَامٍ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- المَدِينَةَ انْجَفَلَ (١) النَّاسُ عَلَيْهِ (٢)، فكنْتُ فِيمَنِ انْجَفَلَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ (٣)، فَكَانَ أوَّلُ شَيءً سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "يَا أيُّهَا النَّاسُ أفْشُوا السَّلَامَ، وأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ والنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ" (٤).

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ -رضي اللَّه عنه-: فَأَتَيْتُ الرَّسُولَ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَقُلْتُ لَهُ: إنِّي سَائِلُكَ عَنْ


(١) انْجَفَلَ: أي ذَهَبوا مُسْرِعِينَ نحوه. انظر النهاية (١/ ٢٧٠).
(٢) قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (٣/ ٢٢٤): مقتضى هذا السِّياق يَقْتَضِي أنه سمع بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورآه أوَّل قدومه حين أناخَ بِقُبَاء في بني عمرو بن عوف، وجاء في رواية أنس -رضي اللَّه عنه- أنه اجتمع به حيثُ اناخَ عند دار أبي أيوب عند ارتحَالِهِ من قباء إلى دار بني النَّجَّارِ، فلعله رآه أول ما رآه بقُبَاء، واجتمع به بعد ما صار إلى دار بني النجار، واللَّه أعلم.
(٣) قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة ص ١٩٩: إن أضواءَ الباطِنِ تَنْضُحُ على الوجه فتقرأ في أسارِيرِهِ آيات الطهر، وقد ذهب عبدُ اللَّه بن سلام أنَّه يَسْتَطْلعُ أخبَارَ هذا الزَّعيم المُهَاجر -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنَظَر إليه يُحَاوِلُ استكشافَ حَقِيقَتِهِ، فكان أوَّل ما اطمأن إليه بعد التَثبُّت من أحواله أن هذا ليس بِكاذب، والمَلامِحُ العَقْلِيَّة والخَلْقِيَّة لشخص ما لا تُعرف بِنَظْرَةٍ خَاطِفَةٍ، ولكن الطابع المادي الذي يُضْفِي على الروح الكبير كثيرًا ما يكون عُنْوانًا صَادِقًا على ما وَرَاءَهُ.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٣٧٨٤) - والترمذي في جامعه - كتاب صفة القيامة والرقائق والورع - باب في إفشاء السلام - رقم الحديث (٢٦٥٣) - وابن ماجه - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها - باب ما جاء في قيام الليل - رقم الحديث (١٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>