للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أدْرَكَهُ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَمَا قَالَ أوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: "فَارْجعْ فَلَنْ أسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ".

قَالَتْ: ثُمَّ رَجَعَ، فَأَدْرَكَهُ بِالبَيْدَاءِ (١)، فَقَالَ لَهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَمَا قَالَ أوَّلَ مَرَّةٍ: "تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولهِ؟ ".

قَالَ: نَعَمْ.

فَقَالَ له الرَّسُولُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فَانْطَلِقْ" (٢).

قَالَ الحَازِمِيُّ "في الِاعْتِبَارِ" بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الحَدِيثَ: وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ في هَذَا البَابِ، فَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ إِلَى مَنْعِ الِاسْتِعَانَةِ بِالمُشْرِكِينَ مُطْلَقًا، وتَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ هَذَا الحَدِيثِ، وَقَالُوا: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَمَا يُعَارِضُهُ لَا يُوَازِيهِ في الصِّحَّةِ والثُّبُوتِ، فتَعَذَّرَ ادِّعَاءُ النَّسْخِ بِهَذَا.

وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَغْزُوا مَعَهُ وَيَسْتَعِينَ بِهِمْ، وَلَكِنْ بِشَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ في المُسْلِمِينَ قِلَّةٌ، وَتَدْعُو الحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُوُنوا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِمْ، وَلَا يُخْشَى ثَائِرَتُهُمْ، فَمَتَى فُقِدَ هَذَانِ


(١) البَيْداء: موضع بين مكة والمدينة. انظر النهاية (١/ ١٦٨).
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب الجهاد والسير - باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر - رقم الحديث (١٨١٧) - وأخرجه الإمام أحمد في مسنده - رقم الحديث (٢٥١٥٨) - والطحاوي في شرح مشكل الآثار - رقم الحديث (٢٥٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>