للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنَّهُ قَالَ: انْفِرُوا في ثَلَاثٍ، فَسَنَتَرَبَّصُ (١) بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ، فَإِنْ يَكُ حَقًّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ، وَإِنْ تَمْضِ الثَّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، كتَبْنَا عَلَيْكُمْ كِتَابًا أنَّكُمْ أكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ في العَرَبِ.

قَال العَبَّاسُ: فوَاللَّهِ مَا كان مِنِّي إِليْهِ كبِيرٌ، إِلا أَنِّي جحَدت (٢) ذلِكَ وَأَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا، ثُمَّ تَفَرَّقْنَا.

قَالَ الْعَبَّاسُ -رضي اللَّه عنه-: فَلَمَّا أمْسَيْتُ، لَمْ تَبْقَ امْرَأَهٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ إِلَّا أتَتْنِي، فَقَالَتْ: أقْرَرْتُمْ لِهَذَا الفَاسِقِ الخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ في رِجَالِكُمْ، ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، ثُمَّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ في ذَلِكَ غَيْرَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ؟

قَالَ: فَقُلْتُ: قَدْ وَاللَّهِ فَعَلْتُ: مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ، وَأَيْمُ (٣) اللَّهِ لَأَتَعَرَّضَنَّ لَهُ، فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِينَّكُنَّهُ.

قَالَ: فَغَدَوْتُ في اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضبٌ، أُرَى أَنِّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبُّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ، قَالَ، فَدَخَلْتُ المَسْجِدَ فَرَأَيْتُهُ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أتَعَرَّضُهُ، لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا، حَدِيدَ الوَجْهِ، حَدِيدَ اللِّسَانِ، حَدِيدَ النَّظَرِ (٤). قَالَ: إِذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ المَسْجِدِ


(١) التَّرَبُّص: الانتظارُ. انظر لسان العرب (٥/ ١٠٩).
(٢) الجُحُودُ: الإنكارُ مع العلم. انظر لسان العرب (٢/ ١٨٢).
(٣) وأيْمُ اللَّه: من ألفاظِ القَسَم، كقولك لعَمْرُ اللَّه، وعَهْدُ اللَّه. انظر النهاية (١/ ٨٦).
(٤) قال الإمام النووي في شرح مسلم (١٧/ ١٦٩): حَدِيدُ البَصَر: أي قَوِيٌّ نَافذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>