للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدًا أُنْكِرُهُ، إِلَّا أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبيْنِ قَدْ أَنَاخَا (١) إِلَى هَذَا التَّلِّ، ثُمَّ اسْتَقَيَا في شَنٍّ (٢) لَهُمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا، وَأَشَارَ إِلَى مَنَاخِ بَسْبَسَةَ بنِ عَمْرٍو الجُهَنِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وَعَدِيِّ بنِ أَبِي الزُّغْبَاءَ -رضي اللَّه عنه-، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَدْ بَعَثَهُمَا إِلَى بَدْرٍ يَتَحَسَّسَانِ لَهُ أخْبَارَ العِيرِ -كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ- فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى مَنَاخِهِمَا، فَأَخَذَ مِنْ أبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا، فَفَتَّهُ، فَإِذَا فِيهِ النَّوَى (٣)، فَقَالَ: هَذِهِ وَاللَّهِ عَلَائِفُ (٤) يَثْرِبَ، وَهَذِهِ عُيُونُ مُحَمَّدٍ، فَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا، فَضَرَبَ وُجُوهَ العِيرِ، وَاتَّجَهَ بِهَا نَحْوَ سَاحِلِ البَحْرِ، وَترَكَ الطَّرِيقَ الرَّئيسِيَّ الذِي يَمُرُّ بِبَدْرٍ عَلَى اليَسَارِ، ثُمَّ أسْرَعَ فنَجَا، وبِهَذَا نَجَا بِالقَافِلَةِ مِنَ المُسْلِمِينَ (٥).

فَلَمَّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنَّهُ قَدْ نَجَا بِالعِيرِ، أَرْسَلَ إِلَى قُرَيْشٍ: قَيْسَ بنَ امْرِئِ القَيْسِ بِرِسَالَةٍ يَقُولُ فِيهَا: إِنَّكُمْ إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ ورِجَالَكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، فَقَدْ نَجَّاهَا اللَّهُ، فَارْجِعُوا.

فَلَمَّا قَالَ لَهُمُ الرَّسُولُ ذَلِكَ، وَهُمْ مَا زَالُوا بِالجُحْفَةِ، هَمُّوا بِالرُّجُوعِ، فَقَالَ طَاغِيَةُ قُرَيْشٍ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ: وَاللَّهِ لَا نَرْجعُ حَتَّى نَرِدَ بَدْرًا، فَنُقِيمَ بِهَا


(١) أناخَ الإبل: أبْرَكها فبركت. انظر لسان العرب (١٤/ ٣٢١).
(٢) الشَّنُّ: القِرْبَة. انظر النهاية (٢/ ٤٥٣).
(٣) النَّوى: جمع نواة التمر. انظر النهاية (٥/ ١١٦).
(٤) العَلائِفُ: جمع عَلَف: وهو ما تأكله الماشية. انظر النهاية (٣/ ٢٦٠).
(٥) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٢٣٠) - الطبَّقَات الكُبْرى (١/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>