للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمْهِلُونِي حَتَّى أنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ، فَضَرَبَ (١) في الوَادِي حَتَّى أبْعَدَ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، وَلَكِنِّي قَدْ رَأَيْتُ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، البَلَايَا (٢) تَحْمِلُ المَنَايَا، نَوَاضِحُ (٣) يَثْرِبَ تَحْمِلُ السُّمَّ النَاقِعَ (٤)، أَمَا ترَوْنَهُمْ خُرْسًا لَا يَتَكَلَّمُونَ، يَتَلَمَّظُونَ (٥) تَلَمُّظَ الأَفَاعِي، وَاللَّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ، فَإِذَا أصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ العَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ فَرَوْا رَأْيَكُمْ (٦).

فَلَمَّا سَمِعَ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى في النَّاسِ، فَأَتَى عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ: يَا أبَا الوَليدِ! إِنَّكَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا، المُطَاعُ فِيهَا، هَلْ لَكَ إِلَى خَيْرٍ تُذْكَرُ بِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، أَوْ قَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ تَذْهَبَ بِشَرَفِ هَذَا اليَوْمِ مَا بَقِيتَ؟ .

قَالَ: وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: تَرْجعُ بِالنَّاسِ، وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِكَ عَمْرِو


(١) ضَرَب في الوادي: أي أسْرَع الذهاب. انظر النهاية (٣/ ٧٢).
(٢) البَلَايَا: جمعُ بَلِيَّة: وهي الناقة أو الدابة التي كانت تُعقل -أي تُقيّد- في الجاهلية، تُشدّ عند قبر صاحبها لا تُعلَفُ ولا تُسقى حتى تموت، كانوا يقولون أن صاحبها يُحْشر عليها. انظر لسان العرب (١/ ٤٩٩).
(٣) النَّوَاضِحُ: هي الإبل التي يُستقى عليها. انظر النهاية (٥/ ٥٩).
(٤) النَّاقِعُ: القاتل. انظر النهاية (٥/ ٩٥).
(٥) التَّلَمُّظُ: التذوُّق. انظر لسان العرب (١٢/ ٣٢٧).
(٦) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>