سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ وَتُتَصَوَّرُ تَبَعِيَّتُهُ لِأُمِّهِ الْمُسْلِمَةِ وَأَبُوهُ كَافِرٌ بِأَنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَتْ فَقَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَلَدَتْ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ الدَّارُ بِأَنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ الصَّغِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَأَسْلَمَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ حُكْمًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ لَا يَتْبَعُهُ وَلَدُهُ وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْوَالِدُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: أَمَّا لَوْ تَبَايَنَتْ دَارُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْوَالِدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْوَلَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَبِ اهـ.
وَهُوَ سَهْوٌ فَاجْتَنِبْهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا صَارَ مُسْلِمًا بِالتَّبَعِيَّةِ ثُمَّ بَلَغَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ الْإِيمَانِ لِوُقُوعِهِ فَرْضًا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمَاتُرِيدِيِّ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِوُجُوبِ أَدَاءِ الْأَيْمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِأَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ أَدَاؤُهَا فَإِذَا أَدَّاهُ وَقَعَ فَرْضًا كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ بِعَدَمِ أَصْلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِهِ لِلتَّرْفِيهِ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ وُجِدَ الْوُجُوبُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّينَ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَجُوسِيُّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ) لِأَنَّ لِلْكِتَابِيِّ دِينًا سَمَاوِيًّا بِحَسَبِ الدَّعْوَى وَلِهَذَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَتَجُوزُ مُنَاكَحَةُ الْكِتَابِيَّةَ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ فَكَانَ شَرًّا مِنْهُ حَتَّى إذَا وُلِدَ وَلَدٌ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَهُوَ كِتَابِيٌّ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعُ نَظَرٍ لَهُ حَتَّى فِي الْآخِرَةِ بِنُقْصَانِ الْعِقَابِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ بَعْدَ مَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ تَبَعًا لِخَيْرِ الْأَبَوَيْنِ لَا يَزُولُ الْخَيْرِيَّةُ فَلَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا لَا يَتْبَعُهُ الْوَلَدُ فِي الرِّدَّةِ إلَّا إنْ لَحِقَ بِهِ الْمُرْتَدُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الصَّبِيَّةَ الْمَنْكُوحَةَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا لِلتَّبَايُنِ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ مَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ وَبَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهِ تَبَعًا لِأَقَلِّهِمَا شَرًّا إذَا تَمَجَّسَ الْمَتْبُوعُ بَطَلَتْ التَّبَعِيَّةُ وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ، وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَبَعْضِ الْكُتُبِ لِأَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي دَيْنِ هَؤُلَاءِ الطَّائِفَةِ وَلَكِنْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا خِلَافُ الْخَيْرِ، وَفِي الْمَجُوسِيَّةِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ شَرًّا مِنْهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ لَوْ قَالَ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ يَكْفُرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْيَهُودِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ اهـ.
فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْكِتَابِيُّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيِّ يَكْفُرُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ وَقَعَتْ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا كَمَا سَمِعْت إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ لَا خَيْرِيَّةَ لِإِحْدَى الْمِلَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَجُوسِيِّ لِلْفَرْقِ بَيْنَ أَحْكَامِهِمَا فِي الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ
وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا هُوَ لِتَفْضِيلِ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْيَهُودَ نِزَاعُهُمْ فِي النُّبُوَّاتِ، وَالنَّصَارَى فِي الْإِلَهِيَّاتِ فَالنَّصَارَى أَشَدُّ كُفْرًا اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ: فِي الْخُلَاصَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْيَهُودِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّ التَّكْفِيرَ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الْخَيْرِيَّةِ لِلْكَافِرِ وَلِذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ قَالَ النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْمَجُوسِيَّةِ كَفَرَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ اهـ.
وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ النَّصَارَى شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِ
ــ
[منحة الخالق]
الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي سِرِّ أَحْكَامِ الصِّغَارِ وَعَزَاهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ إلَى شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قُلْت وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ مَا نَصُّهُ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَتُتَصَوَّرُ تَبَعِيَّتُهُ لِأُمِّهِ) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى قَوْلِ الْقُدُورِيِّ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مُسْلِمًا فَالْوَلَدُ عَلَى دِينِهِ بِأَنَّ عُمُومَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا وُجُودَ لِنِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ مَعَ كَافِرٍ فَالْمُرَادُ وَتُتَصَوَّرُ التَّبَعِيَّةُ مَعَ بَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَهَذَا غَيْرُ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الرَّمْلِيِّ قَدَّمَ تَصْوِيرَهَا أَيْضًا بِقَوْلِهِ أَوْ الْأُمُّ وَهُمَا فِي الْعَارِضِ فَمَا مَحَلُّهُ وَكَانَ يَنْبَغِي إرْدَافُهُ بِ أَيْضًا أَوْ يَقُولَ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ أَوْ حَمْلٌ اهـ. تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ، وَالْكِتَابِيُّ خَيْرٌ. . . إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا إطْلَاقُ الْخَيْرِيَّةِ عَلَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الظَّاهِرُ. . . إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ إثْبَاتِ أَشَرِّيَّةِ النَّصَارَى مِنْ الْيَهُودِ فِي الدَّارَيْنِ (قَوْلُهُ: وَيَلْزَمُ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ النَّصَارَى. . . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يَعْنِي وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ اهـ.
قُلْت بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: بَعْدُ فَعُلِمَ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ شَرٌّ مِنْ الْيَهُودِيِّ. . . إلَخْ ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْبَزَّازِيَّةِ هَكَذَا، وَلَوْ قَالَ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ كَفَرَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْخَيْرِيَّةَ لِمَا هُوَ قَبِيحٌ شَرْعًا وَعَقْلًا ثَابِتٌ قُبْحُهُ بِالْقَطْعِيِّ، وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمَجُوسِيَّ أَسْعَدُ حَالًا مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لِإِثْبَاتِ الْمَجُوسِيِّ خَالِقَيْنِ وَهَؤُلَاءِ خَالِقًا إلَّا عَدْلَهُ، وَفِيهِ