وَاحِدَةٍ إلَى عَشَرَةٍ وَقَعَتْ ثِنْتَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُعْتَبَرٌ فِي الطَّلَاقِ حَتَّى لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي سِتًّا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَقَعْنَ بِخَمْسِمِائَةٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَفِيهَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مِنْ ثَلَاثٍ إلَى وَاحِدَةٍ تَقَعُ ثَلَاثٌ قَالَ بَدِيعٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ ثِنْتَانِ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثٌ اهـ. .
قَوْلُهُ: (وَوَاحِدَةٌ فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى الضَّرْبَ) أَيْ تَقَعُ وَاحِدَةً فِيمَا لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ نَوَى الضَّرْبَ، وَالْحِسَابَ عَالِمًا بِعُرْفِ الْحِسَابِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي الثَّانِي لِأَنَّ عُرْفَهُمْ فِيهِ تَضْعِيفُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ وَاحِدٌ مَرَّتَيْنِ وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي ثِنْتَيْنِ ظَرْفٌ حَقِيقَةً وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَيَقَعُ الْمَظْرُوفُ دُونَ الظَّرْفِ وَلِهَذَا أَلْزَمَهُ عَشَرَةً فِي لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ إلَّا إنْ قَصَدَ الْمَعِيَّةَ أَوْ الْعَطْفَ فَعِشْرُونَ لِمُنَاسَبَةِ الظَّرْفِ كِلَيْهِمَا، وَأَمَّا الضَّرْبُ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَمْسُوحَاتِ أَعْنِي فِيمَا لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْمَضْرُوبِ وَإِذَا كَانَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ طُولٌ وَعَرْضٌ فَأَثَرُهُ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ زَادَ بِالضَّرْبِ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا فَقِيرًا لِأَنَّهُ يَضْرِبُ مَا مَلَكَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي مِائَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً ثُمَّ يَضْرِبُ الْمِائَةَ فِي الْأَلْفِ فَيَصِيرُ مِائَةَ أَلْفٍ فَصَارَ مَعْنَى قَوْلِنَا وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً ذَاتَ جُزْأَيْنِ وَكَذَا قَوْلُنَا وَاحِدَةٌ فِي ثَلَاثٍ وَاحِدَةٌ ذَاتُ أَجْزَاءٍ ثَلَاثَةٍ، وَالتَّطْلِيقَةُ الْوَاحِدَةُ، وَإِنْ كَثُرَتْ أَجْزَاؤُهَا لَا تَصِيرُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالتَّحْرِيرُ قَوْلُ زُفَرَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ فِي التَّرْكِيبِ اللَّفْظِيِّ كَوْنُ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ مُضَعَّفًا بِعَدَدِ الْآخَرِ، وَالْعُرْفُ لَا يَمْنَعُ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى فَارِسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهُوَ يَدْرِيهَا اهـ.
وَهَكَذَا رَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجَوَابُهُ أَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعُرْفُ وَلَا النِّيَّةُ كَمَا لَوْ نَوَى بِقَوْلِهِ: اسْقِنِي الْمَاءَ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ) يَعْنِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةً لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْجَمْعِ، وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَعْنَى الْوَاوِ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ نَوَى بَقِيَ الْوَاوُ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهَا مَعْنَى مَعَ وَقَعَ الثَّلَاثُ مَدْخُولًا بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا كَمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً مَعَ ثِنْتَيْنِ وَإِرَادَةُ مَعْنَى لَفْظَةِ مَعَ بِهَا ثَابِتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: ١٦] وَأَمَّا الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] أَيْ مَعَ عِبَادِي فَبَعِيدٌ يَنْبُو عَنْهُ {وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: ٣٠] فَإِنَّ دُخُولَهَا مَعَهُمْ لَيْسَ إلَّا إلَى الْجَنَّةِ فَهِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكَشَّافِ إنَّ الْمُرَادَ فِي جُمْلَةِ عِبَادِي وَقِيلَ فِي أَجْسَادِ عِبَادِي وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ فِي عَبْدِي فَالْأَوْجَهُ الِاسْتِشْهَادُ بِمَا ذَكَرْنَا وَحُكْمُ مَا إذَا نَوَى الظَّرْفِيَّةَ حُكْمُ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَالْوُجُوهُ خَمْسَةٌ.
قَوْلُهُ: (وَثِنْتَيْنِ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى الظَّرْفَ أَوْ الضَّرْبَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ نَوَى مَعْنَى الْوَاوِ أَوْ مَعْنَى مَعَ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا ثِنْتَانِ فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثٌ فِي الثَّانِي كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَوْلُهُ: (وَمِنْ هُنَا إلَى الشَّامِ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً) لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِالْقَصْرِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَتَى وَقَعَ وَقَعَ فِي جَمِيعِ الدُّنْيَا، وَفِي السَّمَوَاتِ فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَذَا اللَّفْظِ زِيَادَةُ شِدَّةٍ، وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا مَدَّ الْمَرْأَةَ لَا الطَّلَاقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ حَالٌ وَلَا يَصْلُحُ صَاحِبُ الْحَالِ فِي التَّرْكِيبِ إلَّا الضَّمِيرُ فِي طَالِقٍ قَوْلُهُ: (وَبِمَكَّةَ، وَفِي مَكَّةَ، وَفِي الدَّارِ تَنْجِيزٌ) فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ وَلَا بِمَكَّةَ وَكَذَا فِي الظِّلِّ، وَفِي الشَّمْسِ، وَالثَّوْبُ كَالْمَكَانِ فَلَوْ قَالَ فِي ثَوْبِ كَذَا وَعَلَيْهَا غَيْرُهُ طَلُقَتْ لِلْحَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مَرِيضَةً أَوْ مُصَلِّيَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ ثَلَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ. . . إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي أَرْبَعًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَهِيَ بِالْأَلْفِ وَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَبِثُلُثِ الْأَلْفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا هُنَا وَلَعَلَّ مَا هُنَا رِوَايَةٌ وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ لَا اللَّفْظِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عُرْفِ الْحِسَابِ. . إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَكَذَا الْإِلْزَامُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا فَقِيرٌ لِأَنَّ ضَرْبَ دِرْهَمِهِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مَثَلًا إنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى الْإِخْبَارِ كَقَوْلِهِ عِنْدِي دِرْهَمٌ فِي مِائَةٍ فَهُوَ كَذِبٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ كَجَعَلْتُهُ فِي مِائَةٍ لَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ لَا يَنْجَعِلُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَمْنُوعٌ بِالْفَرْقِ الْبَيِّنِ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَكَذَا رَدَّهُ تِلْمِيذُهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ فَقَدْ تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ مَوْضُوعٍ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ لِمَعْنًى مَعْلُومٍ فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ بِحَقِيقَةٍ عُرْفِيَّةٍ وَبِهِ يُوجَدُ صَلَاحِيَةُ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَاعْتِبَارُهُ بِقَوْلِهِ اسْقِنِي الْمَاءَ. . . إلَخْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ. وَكَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّفْظَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute