للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا بِسَبَبِ أَنَّ الْوَاوَ لِلْمَعِيَّةِ بَلْ لِأَنَّهُ أَخْصَرُ مَا يَلْفِظُ بِهِ إذَا أَرَادَ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ وَهُوَ مُخْتَارٌ فِي التَّعْبِيرِ لُغَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَيَّدْنَا بِتَأْخِيرِ النِّصْفِ عَنْ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ نِصْفًا وَوَاحِدَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَمْ يُجْعَلْ كُلُّهُ كَلَامًا وَاحِدًا، وَعَزَاهُ فِي الْمُحِيطِ إلَى مُحَمَّدٍ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً وَعَشْرًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِخِلَافِ أَحَدَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ لِعَدَمِ الْعَطْفِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَمِائَةً أَوْ وَاحِدَةً وَأَلْفًا أَوْ وَاحِدَةً وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فِي الْمُعْتَادِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الْعَادَةِ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَأَلْفٌ وَوَاحِدَةٌ فَلَمْ يَجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلَامًا وَاحِدًا بَلْ اُعْتُبِرَ عَطْفًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِائَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَمِائَةً سَوَاءٌ اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ مُخَاطِبًا لَهَا بِالْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شِئْت، فَقَالَتْ: شِئْت وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّرْطِ بِآخِرِ كَلَامِهَا وَمَا لَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ لَا يَقَعُ الْجَزَاءُ اهـ.

وَإِذَا عُلِمَ الْحُكْمُ فِي الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عُلِمَ بِالْفَاءِ وَثُمَّ بِالْأَوْلَى لِاقْتِضَاءِ الْفَاءِ التَّعْقِيبَ وَثُمَّ التَّرْتِيبَ وَأَمَّا بَلْ فَإِذَا قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ تَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَرَجَعَ عَنْهَا وَقَصَدَ إيقَاعَ الثِّنْتَيْنِ قَائِمًا مَقَامَ الْوَاحِدَةِ فَصَحَّ إيقَاعُ الثِّنْتَيْنِ وَلَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ الْوَاحِدَةِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ تَقَعُ وَاحِدَةً لِأَنَّ بِالْأُولَى صَارَتْ مُبَانَةً وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ طَلَّقْتُك أَمْسِ وَاحِدَةً لَا بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ يَقْبَلُ التَّدَارُكَ فِي الْغَلَطِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الطَّلَاقِ عَلَى الطَّلَاقِ بِكَلِمَةِ لَا بَلْ، وَالْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ هِيَ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ أَمَّا قَبْلُ فَاسْمٌ لِزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَأَمَّا بَعْدُ فَاسْمٌ لِزَمَانٍ مُتَأَخِّرٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الظَّرْفَ مَتَى كَانَ بَيْنَ اسْمَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُقْرَنْ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلْأَوَّلِ تَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فَالْقَبْلِيَّةُ فِيهَا صِفَةٌ لِزَيْدٍ، وَإِنْ قَرَنَ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ كَانَ صِفَةً لِلثَّانِي تَقُولُ جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَهُ عَمْرٌو فَإِذَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ فَقَدْ أَوْقَعَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَبَانَتْ بِهَا فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَلَوْ قَالَ بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ وَصَفَ الثَّانِيَةَ بِالْبَعْدِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَصِفْهَا بِهِ لَمْ تَقَعْ فَهَذَا أَوْلَى.

وَأَمَّا إذَا قَالَ: وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ ثِنْتَانِ لِأَنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْمَاضِي فَيَقْتَرِنَانِ فَتَقَعُ ثِنْتَانِ وَكَذَا فِي وَاحِدَةٍ بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْبَعْدِيَّةَ صِفَةً لِلْأُولَى فَاقْتَضَى إيقَاعَ الثَّانِيَةِ قَبْلَهَا فَكَانَ إيقَاعًا فِي الْحَالِ فَيَقْتَرِنَانِ وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي الْمَدْخُولِ بِهَا تَقَعُ ثِنْتَانِ فِي الْكُلِّ وَاسْتَشْكَلَ فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ نَحْوُ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: ٣] {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: ١٠٩] وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ أَشْعَرَ بِالْوُقُوعِ وَكَوْنُ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ يَقْتَضِي وُجُودَ ذَلِكَ الْغَيْرِ ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْعِهِ لَا مَحَالَةَ، وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَعَ فَلِلْقِرَانِ فَلَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالضَّمِيرِ أَوْ لَا فَاقْتَضَى وُقُوعَهُمَا مَعًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَعَهَا وَاحِدَةٌ تَقَعُ وَاحِدَةً.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَأَمْسِ تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاحِدَةً قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ ثُمَّ مِنْ مَسَائِلِ قَبْلِ وَبَعْدِ مَا قِيلَ مَنْظُومًا

مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ ... وَلَا زَالَ عِنْدَهُ الْإِحْسَانُ

فِي فَتًى عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِشَهْرِ ... قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلَهُ رَمَضَانُ

وَهَذَا الْبَيْتُ يُمْكِنُ إنْشَادُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا قَبْلَ مَا قَبْلَ قَبْلُهُ ثَانِيهَا: قَبْلَ مَا بَعْدَ قَبْلِهِ ثَالِثُهَا: قَبْلَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، رَابِعُهَا: بَعْدَ مَا قَبْلَ قَبْلِهِ، خَامِسُهَا: بَعْدَ مَا بَعْدَ بَعْدِهِ، سَادِسُهَا: بَعْدَ مَا قَبْلَ بَعْدِهِ، سَابِعُهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَقْرِنْ بِهَاءِ الْكِنَايَةِ) أَيْ بِالْهَاءِ الَّتِي هِيَ ضَمِيرٌ مُكَنًّى بِهِ عَنْ الِاسْمِ الظَّاهِرِ (قَوْلُهُ: مَا يَقُولُ الْفَقِيهُ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَلَا زَالَ عِنْدَهُ الْإِحْسَانُ) إلَى قَوْلِهِ وَهَذَا الْبَيْتُ يُمْكِنُ إنْشَادُهُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ أَيْ كَمَا تَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>