وَرَدَدْتُك، وَأَمْسَكْتُك وَمَسَكْتُك فَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِلَا نِيَّةٍ، وَمِنْهُ النِّكَاحُ وَالتَّزَوُّجُ.
فَلَوْ تَزَوَّجَهَا فِي الْعِدَّةِ كَانَ رَجْعَةً فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ فَقَوْلُ الشَّارِحِينَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ النِّكَاحِ يُسْتَعَارُ لِلرَّجْعَةِ، وَهَلْ يُسْتَعَارُ لَفْظُ الرَّجْعَةِ لِلنِّكَاحِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ إنْ رَاجَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا تَطْلُقُ، وَعَلَّلَ لَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّهَا لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَحَلًّا انْصَرَفَ إلَى النِّكَاحِ مَجَازًا انْتَهَى، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ انْصِرَافُ اللَّفْظِ إلَى حَقِيقَتِهِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَانْصَرَفَ إلَيْهِ لَا يَصِيرُ بَعْدَهُ مَجَازًا، وَإِلَّا صَارَ مَجَازًا، وَأَمَّا الْكِنَايَةُ فَنَحْوُ أَنْتِ عِنْدِي كَمَا كُنْت أَوْ أَنْتِ امْرَأَتِي فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي الْفِعْلَ فَأَفَادَ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ أَوْجَبَ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَإِنَّ الرَّجْعَةَ تَصِحُّ بِهِ، وَسَوَّى بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِي الصِّحَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالْفِعْلِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَدَخَلَ الْوَطْءُ وَالتَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ فَمًا أَوْ خَدًّا أَوْ ذَقَنًا أَوْ جَبْهَةً أَوْ رَأْسًا أَوْ الْمَسُّ بِلَا حَائِلٍ أَوْ بِحَائِلٍ يَجِدُ الْحَرَارَةَ مَعَهُ بِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرُ إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّكِئَةً وَالْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ مَسٍّ بِشَهْوَةٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ التَّقْبِيلِ، وَالْمَسِّ، وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ يُصَدِّقَهَا سَوَاءٌ كَانَ بِتَمْكِينِهِ أَوْ فَعَلَتْهُ اخْتِلَاسًا أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ مَعْتُوهًا أَمَّا إذَا ادَّعَتْهُ وَأَنْكَرَهُ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَامَعَهَا وَمَكَثَ بَعْدَمَا جَامَعَهَا فَهُوَ رَجْعَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَكُونُ رَجْعَةً إلَّا أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهَا، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِهَا لِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِقَوْلِهَا، وَخَرَجَ مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ نَظَرٍ إلَى غَيْرِ دَاخِلِ الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ، وَلَوْ إلَى حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُرَاجِعًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ صَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهَا لَمَسَتْهُ بِشَهْوَةٍ كَانَ ذَلِكَ رَجْعَةً انْتَهَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَالْأَمَةُ لَوْ فَعَلَتْ بِالْبَائِعِ فِي الْخِيَارِ كَانَ فَسْخًا لِأَنَّ الْفَسْخَ قَدْ يَحْصُلُ بِفِعْلِهَا كَمَا لَوْ زَنَتْ أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا وَأَبُو يُوسُفَ سَوَّى بَيْنَ الْخِيَارِ وَالرَّجْعَةِ فِي أَنَّهُمَا لَا يَثْبُتَانِ بِفِعْلِهَا وَمُحَمَّدٌ أَثْبَتَ الرَّجْعَةَ دُونَ الْفَسْخِ، وَفِي الْبَدَائِعِ أَبُو حَنِيفَةَ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الثُّبُوتِ، وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لَوْ قَالَ أَبْطَلْت رَجْعَتِي أَوْ لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك لَا تَبْطُلُ الرَّجْعَةُ انْتَهَى، وَفِي الْقُنْيَةِ أَجَازَ مُرَاجَعَةَ الْفُضُولِيِّ صَحَّ، وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْمُرَاجَعَةِ انْتَهَى، وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا طَلَّقَ رَجْعِيًّا ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ رَاجَعَهَا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ بِهِمَا، وَقِيلَ يَصِحُّ بِهِمَا، وَقِيلَ تَصِحُّ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، وَاقْتَصَرَ الْبَزَّازِيُّ عَلَى الْأَخِيرِ، وَلَعَلَّهُ الرَّاجِحُ لَمَّا عُرِفَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ دُونَ أَقْوَالِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي الصَّيْرَفِيَّةِ بِأَنَّهُ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَالرِّضَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَلِهَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ يَصِحُّ انْتَهَى، وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَإِذَا رَاجَعَهَا بِقُبْلَةٍ أَوْ لَمْسٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْإِشْهَادِ ثَانِيًا اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَيُكْرَهُ التَّقْبِيلُ وَاللَّمْسُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ إذَا لَمْ يُرِدْ الرَّجْعَةَ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَرَاهَا مُتَجَرِّدَةً لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَشْتَهِيَ فَيَصِيرَ بِهِ مُرَاجِعًا ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى الطَّلَاقِ فَيُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ) (وَالْإِشْهَادُ مَنْدُوبٌ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرَّجْعَةِ وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَظْهَرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، وَعَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِشَيْئَيْنِ الْإِمْسَاكِ وَالْمُفَارَقَةِ فَلَوْ كَانَ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا فِي الرَّجْعَةِ مَنْدُوبًا فِي الْمُفَارَقَةِ لَلَزِمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَنَا، وَاحْتِرَازًا عَنْ التَّجَاحُدِ، وَعَنْ الْوُقُوفِ فِي مَوَاضِعِ التُّهَمِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ عَلَى ضَرْبَيْنِ سُنِّيٍّ وَبِدْعِيٍّ فَالسُّنِّيُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَهَلْ يُسْتَعَارُ لَفْظُ الرَّجْعَةِ لِلنِّكَاحِ) أَقُولُ: قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ لِمُبَانَتِهِ رَاجَعْتُك بِكَذَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ بِالْفِعْلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ الْآتِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُحَرِّمُ الْوَطْءَ. اهـ.
قُلْت وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute