للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِيَحْلِفَ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ هَذَا، وَلَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ فِي تَعْلِيلِهِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأُمَّ تَدَّعِي الْعِتْقَ وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ فَأَفَادَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صُورَةِ دَعْوَى الْأُمِّ وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي فِي الْكِتَابِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ تَرْجِيحِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ حَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ فِي الْجَوَابِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ الشَّرْطَ الْكَائِنَ فِي طَرَفٍ وَاحِدٍ إلَى آخِرِهِ قَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الشَّرْطِ الظَّاهِرِ لَا الْخَفِيِّ.

وَلِذَا قَيَّدَ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَدُخُولِ الدَّارِ فَقَالَ الْعَبْدُ فَعَلْت لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَى آخِرِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَتْ ظَاهِرَةً فَيُوجِبُ الشَّكُّ فِيهَا اعْتِبَارَ الْأَحْوَالِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ كَمَا فِي الْجَامِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ جَعْلَ الْوِلَادَةِ مِنْ الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ كَمَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الْغَيْرِ عَلَيْهَا وَالْمُرَادُ بِالْخَفِيَّةِ مَا لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا وَلِذَا اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ فِي الْوِلَادَةِ، وَلَوْ كَانَتْ كَالْمَحَبَّةِ لَقُبِلَ قَوْلُهَا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُوَافِقُ الْأُصُولَ وَلَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ هَذَا الْجَوَابِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّ جَوَابَهَا نَصُّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَتَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِمَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ مَشَايِخَنَا يَعْتَبِرُونَ الْأَحْوَالَ عِنْدَ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ، وَعِنْدَ التَّعْلِيقِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ لَهُ جُزْءَانِ كَمَسْأَلَتِنَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ لَهُ جُزْءَانِ) أَحَدُهُمَا وِلَادَةُ الْغُلَامِ وَثَانِيهِمَا كَوْنُهُ أَوَّلٌ فَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا تَحَقَّقَ وُجُودُ الْبَعْضِ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي تَعْيِينِهِ فَحِينَئِذٍ تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ فَإِنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا تَحَقَّقَ وِلَادَةُ الْغُلَامِ لَكِنْ لَمْ يَدْرِ أَنَّهُ أَوَّلُ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الشَّرْطَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ الْأَحْوَالُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُرَكَّبًا مِنْ جُزْأَيْنِ فَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِشَرْطَيْنِ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَصِحُّ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَتَوَافَقُ الْفُرُوعُ مَعَ الْأُصُولِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ عِلْمِ الْأَوَّلِ تَصَادُقُهُمْ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأَوَّلِ وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا أَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وِلَادَةَ الْجَارِيَةِ أَوَّلًا فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ فِي الثَّانِي وَيَعْتِقُ كُلُّ الْأُمِّ وَالْجَارِيَةِ فِي الْأَوَّلِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَالرَّابِعَةُ لَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ الْأُمُّ وِلَادَةَ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَالْجَارِيَةُ صَغِيرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ شَرْطَ الْعِتْقِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْأُمِّ حُرِّيَّةَ الصَّغِيرِ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّهَا نَفْعٌ مَحْضٌ وَلَهَا عَلَيْهَا وِلَايَةٌ لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا أَبٌ، الْخَامِسَةُ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ بِأَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ تَدَّعِ الْبِنْتَ وَهِيَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَإِنْ نَكَلَ عَتَقَتْ الْأُمُّ دُونَ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا تَتَعَدَّى وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِ الْمُدَّعِيَةِ هَكَذَا ذَكَرُوا، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا لَوْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ تَتَعَدَّى، السَّادِسَةُ أَنْ تَدَّعِيَ الْبِنْتُ وَهِيَ كَبِيرَةٌ أَنَّ الْغُلَامَ هُوَ الْأَوَّلُ وَلَمْ تَدَّعِ الْأُمُّ فَتَعْتِقُ الْبِنْتُ إذَا نَكَلَ دُونَ الْأُمِّ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الشَّرْطِ وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ الْأَوَّلُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَإِنْ كَانَ جَارِيَةً فَهِيَ حُرَّةٌ فَوَلَدَتْهُمَا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَوَّلًا عَتَقَ الْأُمُّ وَالْجَارِيَةُ لَا غَيْرُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَارِيَةَ هِيَ الْأُولَى عَتَقَتْ لَا غَيْرُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالْجَارِيَةُ حُرَّةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالْغُلَامُ عَبْدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأُمِّ وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى، الثَّانِي لَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ غُلَامًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوِلَادَةَ مِمَّا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوِلَادَةِ مُطْلَقُهَا بَلْ الَّتِي الْكَلَامُ فِيهَا وَهُوَ كَوْنُ الْغُلَامِ أَوَّلًا وَهَذَا مَعَ وِلَادَتِهِمَا فِي حَمْلٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَخْفَى غَالِبًا.

(قَوْلُهُ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ مُرَكَّبًا إلَخْ) تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ هَذَا التَّعْمِيمِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ قَبْلَ زَيْدٍ فَأَنْت حُرٌّ، وَوُجِدَ الدُّخُولُ وَلَمْ تُدْرَ الْقَبْلِيَّةُ فَإِنَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ اعْتِبَارُ الْأَحْوَالِ مَعَ أَنَّ الرِّقَّ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِوُقُوعِ الْجُزْءِ الْآخَرِ تَأَمَّلْ..

<<  <  ج: ص:  >  >>