للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ كَانَ يَصْلُحُ لِأَوْسَاطِ النَّاسِ يَجُوزُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَلَوْ أَعْطَى ثَوْبًا خَلِيقًا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدَّةِ الْجَدِيدِ يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ جَازَ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ التَّكْفِيرِ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ فَلَا يُعْطِيهَا لِأَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا وَلَا لِوَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَلَوْ أَعْطَى كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ وَمَوْلَاهَا فَقِيرٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَتِمُّ بِقَبُولِهَا لَا بِقَبُولِ الْمَوْلَى وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِأَدَاءِ كَفَّارَتِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَعْطَى أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَهُمَا مَمْلُوكَانِ لِفَقِيرٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ.

وَيَرِدُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ الدَّفْعُ إلَى الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ الزَّكَاةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ أَعْطَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا ثُمَّ اسْتَغْنَوْا، ثُمَّ افْتَقَرُوا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَغْنَوْا صَارُوا بِحَالٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ فَبَطَلَ مَا أَدَّى كَمَا لَوْ أَدَّى إلَى مُكَاتَبٍ مُدًّا، ثُمَّ رَدَّهُ فِي الرِّقِّ، ثُمَّ كُوتِبَ ثَانِيًا، ثُمَّ أَعْطَاهُ مُدًّا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: ١٩٦] وَشَرَطْنَا التَّتَابُعَ عَمَلًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَقِرَاءَتُهُ كَرِوَايَتِهِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ جَازَ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْقَطْعِيِّ الْمُطْلَقِ وَأَشَارَ بِالْعَجْزِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إلَّا لِمَنْ عَجَزَ عَمَّا سِوَى الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ، أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ قُوتُ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَمَنْ مَلَكَ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَضَى دَيْنَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْغَائِبُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ قَدْرُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ اهـ.

وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ الْحِنْثِ فَلَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَفِي عَكْسِهِ يَجُوزُ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.

وَقَيَّدَ بِالتَّتَابُعِ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ مُتَفَرِّقَةً لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْعُذْرَ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي الثَّلَاثَةِ اسْتَقْبَلَتْ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَجْزِ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا حَنِثَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ كَسَا لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمُسْتَسْعَى وَلَوْ صَامَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ وَلَوْ بِسَاعَةٍ فَأَصَابَ مَالًا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى: كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ، أَوْ ثِيَابٌ أَوْ طَعَامٌ قَدْ نَسِيَهُ قِيلَ يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ وَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ صَامَ، ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ حَالُ الْأَدَاءِ لَا غَيْرُ اهـ.

وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا بَذَلَ ابْنُ الْمُعْسِرِ لِأَبِيهِ مَالًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِهِ إجْمَاعًا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُكَفِّرُ

ــ

[منحة الخالق]

وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا، أَوْ إزَارًا، أَوْ خِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةُ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، أَوْ لَا اهـ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي التَّحْرِيرَ وَالْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ جَمِيعًا لَا عَنْ بَعْضِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصُومُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَحَدٌ دَائِرًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ " فَبَطَلَ اعْتِرَاضُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>