للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَالِ، أَوْ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ، ثُمَّ إذَا كَفَّرَ قَبْلَهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ مِنْ الْفَقِيرِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ تَعْدَادِ الْكَفَّارَةِ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فَفِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَخَلُّلُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْوَاوَ إذَا اتَّحَدَ ذِكْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ عَطْفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْقَسَمِ وَلَا يَثْبُتُ الْقَسَمُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّدَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لِلْعَطْفِ وَالْآخَرَ لِلْقَسَمِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ لَا يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً اهـ.

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَدْخَلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ كَانَا يَمِينَيْنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الصِّفَةِ وَالتَّأْكِيدِ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، ثُمَّ حَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا، ثُمَّ فَعَلَهُ إنْ نَوَى يَمِينًا مُبْتَدَأً، أَوْ التَّشْدِيدَ أَوْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَفِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْتُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ يَسْتَقِيمُ وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُمَا يَمِينَانِ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ لِآخَرَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ سَنَةً إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْغَدِ فَعَلَيْهِ يَمِينَانِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعُرِفَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. .

(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ) بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِ الْيَمِينِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ: فِعْلُ مَعْصِيَةٍ، أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» .

وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» ، ثُمَّ الْيَمِينُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ جُمْلَتَانِ إحْدَاهُمَا مُقْسَمٌ بِهِ وَالْأُخْرَى مُقْسَمٌ عَلَيْهِ فَذُكِرَ الْكُلُّ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ وَقِيلَ ذُكِرَ اسْمُ الْحَالِ وَأُرِيدَ الْمَحَلُّ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ تَفْوِيتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ.

وَأَطْلَقَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَشَمِلَ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ، أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ فَيَجِبَ الْحِنْثُ بِالصَّلَاةِ وَكَلَامِ الْأَبِ، وَالثَّانِي نَحْوُ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالْيَوْمِ وَغَدًا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ الْحِنْثُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيُوصِي بِالْكَفَّارَةِ حِينَئِذٍ إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ إذَا هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَيْئًا غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالثَّانِي أَعْنِي الْإِثْبَاتَ أَمَّا النَّفْيُ مِثْلُ لَا يُصَلِّي فَيُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>