كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا، أَوْ نَحْوَهُ فَالْحِنْثُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ، وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ.
الثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ وَضِدُّهُ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ، أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: ٨٩] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الرَّابِعَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَجِبُ فِعْلُهُ قِيلَ: الْيَمِينُ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ لِظُهُورِ أَنَّ الْبِرَّ فَرْضٌ وَمِنْهُ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلُ وَالْبِرُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً أَوْ وَاجِبًا، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، أَوْ مُسْتَوِيَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَ الْعَشَرَةِ. .
(قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ، وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ انْعِقَادِهَا الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ لِلْكَفَّارَةِ أَهْلٌ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢] ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَعْدَهُ {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: ١٢] فَيَعْنِي صُورَةَ الْأَيْ مَانِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ أَمَّا فِي {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: ١٢] كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ لَا إيفَاءَ لَهُمْ بِهَا، أَوْ فِي نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ صُورَةُ الْأَيْمَانِ دُونَ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَيُرَجَّحُ الثَّانِي بِالْفِقْهِ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُرْتَدَّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُ الْيَمِينَ فَلَوْ حَلَفَ مُسْلِمًا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ حَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ قَالُوا: وَلَوْ نَذَرَ الْكَافِرُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا تَحْلِيفُهُ الْقَاضِيَ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» فَالْمُرَادُ كَمَا قُلْنَا صُورَةُ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا. .
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يَحْرُمْ) أَيْ لَا يَصِيرُ حَرَامًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ وَغَيْرِهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّرَ أَيْ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ بِأَنْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] الْآيَتَيْنِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا هُوَ حَلَالٌ وَأَنَّهُ فَرَضَ لَهُ تَحِلَّتَهُ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] فَعُلِمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحْلِفُ صَرِيحًا فَلَيْسَ هُوَ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ الْمِلْكِ الشَّيْءَ بِأَنْ قَالَ: وَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا ثُمَّ فَعَلَهُ كَفَّرَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا فَيَدْخُلَ فِيهِ مَا إذَا قَالَ كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَعِي أَوْ الْكَلَامُ مَعَك حَرَامٌ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَكَذَا إذَا قَالَ دُخُولُ هَذَا الْمَنْزِلِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ: كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَكَذَا كَلَامُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا وَكَذَا كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ وَكَذَا أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُمْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ مَشَايِخُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبَعْضِ اهـ.
مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْعَيْنِ الْمُرَادُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ هَذَا الثَّوْبُ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute