عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ.
وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا فَنَقُولَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُكَ وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَأَفْعَلَنَّ وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا " فَإِنَّهُ يُرَادُ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي انْصِرَافِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً كَانَتْ، أَوْ فَارِسِيَّةً إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةٍ التَّعَارُفُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُصَدَّقٌ هَكَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ تَبِينُ امْرَأَتُهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ.
وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ صَارَ طَلَاقًا عُرْفًا وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ فَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا اللَّفْظِ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا بِاَللَّهِ فَهُوَ غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ، أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَبِينُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ
ــ
[منحة الخالق]
وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ حَمْلُ كَلَامِ النَّسَفِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَلِفُهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَسَكَتَ، أَوْ قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا لِأَمْرٍ فَعَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ.
وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْحِنْثِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى تَغَيُّرِ الْعُرْفِ مِنْ انْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ بَعْدَمَا كَانَ الْعُرْفُ قَبْلَهُ فِي انْصِرَافِهِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَأْوِيلِ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ أَقُولُ: مَا بَحَثَهُ جَيِّدٌ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِعْمَالُ مُشْتَرَكًا فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ مُوَافَقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَقُولُ: أَكْثَرُ عَوَامِّ بِلَادِنَا لَا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ: أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُكِ عَلَيَّ إلَّا حُرْمَةَ الْوَطْءِ الْمُقَابِلَةَ لِحِلِّهِ وَلِذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ يَضْرِبُ مُدَّةً لِتَحْرِيمِهَا وَلَا يُرِيدُ قَطْعًا إلَّا تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْإِيلَاءِ تَأَمَّلْ؛ فَقَلَّ مَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَتَصْدِيقُ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَهُ: لَكِنْ فِي الدِّرَايَةِ لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي كَذَا وَلَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ اهـ.
قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ أَكْثَرُ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ لَا يَخُصُّ الثِّنْتَيْنِ بَلْ كَذَلِكَ لَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَهُوَ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَحَيْثُ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ هُوَ الْأَظْهَرَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَى الْكُلِّ خِلَافُ الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ اهـ.
قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ آخِرَ بَابِ الْإِيلَاءِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا هُنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ