للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ يَعْلَمُ يَحْنَثُ إذَا كَلَّمَ ذَلِكَ الْوَاحِدَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَمْعَ، وَأَرَادَ الْوَاحِدَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْوَاحِدَ فَبَقِيَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْجَمْعِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَبِّ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا رَغِيفٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ لَا يَحْنَثُ. اهـ. بِلَفْظِهِ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافَ كَالْمُنَكَّرِ لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ إنْ أَحْسَنْتِ إلَى أَقَارِبِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَحْسَنَتْ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْنَثُ، وَلَا يُرَادُ الْجَمْعُ فِي عُرْفِنَا. اهـ.

فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ فِي الْعُرْفِ فَرْقًا، وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارًا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ إنْ كَانَ فُلَانٌ يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَآجَرَ فُلَانٌ دَارِهِ فَدَخَلَهَا الْحَالِفُ هَلْ يَحْنَثُ فِيهِ رِوَايَتَانِ قَالُوا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا كَمَا تَبْطُلُ الْإِضَافَةُ بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالْإِجَارَةِ وَالتَّسْلِيمِ، وَمِلْكِ الْيَدِ لِلْغَيْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْأُصُولِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسُ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ لَا دَوَامُ الدُّخُولِ) يَعْنِي لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ هَذِهِ الدَّابَّةَ، وَهُوَ رَاكِبُهَا أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ أَوْ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ سَاكِنُهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ، وَهُوَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ وَالِاسْتِحْسَانُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْفِعْلُ الْمُحْدَثُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ مُسْتَحِيلُ الْبَقَاءِ فَيَسْتَحِيلُ دَوَامُهُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالدَّوَامِ تَجَدُّدُ أَمْثَالِهِ، وَهَذَا يُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى، وَلَا يُوجَدُ فِي الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَى الْحِصْنِ وَالْمُكْثُ قَرَارٌ فَيَسْتَحِيلُ الْبَقَاءُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ حَرَكَةٌ وَالْمُكْثَ سُكُونٌ، وَهُمَا ضِدَّانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَضْرِبُ لَهَا مُدَّةً يُقَالُ رَكِبْت يَوْمًا، وَلَبِسْت يَوْمًا، وَلَا يُقَالُ دَخَلْت يَوْمًا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَصِحُّ امْتِدَادُهُ لَهُ دَوَامٌ كَالْقُعُودِ وَالْقِيَامِ وَالنَّظَرِ وَنَحْوِهِ، وَمَا لَا يَمْتَدُّ لَا دَوَامَ لَهُ كَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ قِرَانِ الْمُدَّةِ بِهِ كَالْيَوْمِ وَالشَّهْرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ، وَهُوَ خَارِجٌ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَدْخُلَ ثُمَّ يَخْرُجَ، وَكَذَا لَا يَتَزَوَّجُ، وَهُوَ مُتَزَوِّجٌ، وَلَا يَتَطَهَّرُ، وَهُوَ مُتَطَهِّرٌ فَاسْتَدَامَ الطَّهَارَةَ وَالنِّكَاحَ لَا يَحْنَثُ. اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالدَّوَامِ الْمُكْثُ سَاعَةً عَلَى حَالِهِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ نَزَعَ الثَّوْبَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَلَّ، وَلَنَا أَنَّ الْيَمِينَ تُعْقَدُ لِلْبِرِّ فَيُسْتَثْنَى مِنْهُ زَمَانُ تَحْقِيقِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَهُوَ رَاكِبٌ، وَمَكَثَ ثَلَاثَ سَاعَاتٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ سَاعَةٍ طَلْقَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَاكِبًا فَرَكِبَ أَنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَلَا تَطْلُقُ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَفِي الْمُجْتَبَى، وَإِنَّمَا يُعْطَى لِلدَّوَامِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ فِيمَا يَمْتَدُّ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ حَالَ الدَّوَامِ أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَهُ فَلَا حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا رَكِبْتُ هَذِهِ الدَّابَّةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ رَكِبَهَا وَدَامَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ حَالَةَ الرُّكُوبِ لَزِمَهُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ النُّزُولُ دِرْهَمٌ قُلْتُ: فِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِابْتِدَاءِ الْفِعْلِ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، وَفِيهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي تَكُونُ دَوَامًا هِيَ مَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ فِيهَا، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّهَا غَدًا، وَهُوَ فِيهَا فَمَكَثَ حَتَّى مَضَى الْغَدُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَخْرُجْ.

وَلَوْ نَوَى بِالدُّخُولِ الْإِقَامَةَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَى هُنَا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ مَسَائِلِ الدُّخُولِ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِهَا وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا فَاتَهُ مِنْهَا تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ، وَلِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَسَائِلِ الْأَيْمَانِ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ فَدَخَلَ دَارًا مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ لَا مِنْ السِّكَّةِ بَلْ مِنْ السَّطْحِ أَوْ غَيْرِهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ

ــ

[منحة الخالق]

التَّلْخِيصِ وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ دَخَلَ دَارًا مَمْلُوكَةً لِفُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَا يَسْكُنُهَا يَحْنَثُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدَارِ الْغَلَّةِ مَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى دَارِ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ دَارِهِ مُطْلَقًا دَارٌ يَسْكُنُهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْكُونَةً لِغَيْرِهِ بِأَنْ كَانَتْ خَالِيَةً مِنْ سَاكِنٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَدَوَامُ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ وَالسُّكْنَى كَالْإِنْشَاءِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَعَلَيْهِ فَرَّعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا لَوْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ نَحْوِ وَاَللَّهِ لَا أَلْبَسَنَّ هَذَا الثَّوْبَ غَدًا فَاسْتَمَرَّ لَابِسَهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ لِدَوَامِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>