لَا يَخَافُ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ.
وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا فِي التَّبْيِينِ مَفْرُوضٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ، وَمَا فِي التَّجْنِيسِ فِيمَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ، وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَبَقِيَ أَهْلُهُ، وَمَتَاعُهُ بِمَعْنَى أَوْ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَحْصُلُ بِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَيْهِمَا فَلَوْ قَالَ نَوَيْتُ التَّحَوُّلَ بِبَدَنِي خَاصَّةً لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ جَمِيعِ الْأَهْلِ وَالْمَتَاعِ، وَهُوَ فِي الْأَهْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْمُرَادُ بِالْأَهْلِ زَوْجَتُهُ، وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ مَعَهُ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَأْوِيهِ لِخِدْمَتِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا فِي الْأَمْتِعَةِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَتَاعُ كَالْأَهْلِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ، وَقَدْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى تَثْبُتُ بِالْكُلِّ فَتَبْقَى بِبَقَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا لِلْإِمَامِ حَتَّى لَوْ بَقِيَ صِفَةُ السُّكُونِ فِي الْعَصِيرِ يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهِ خَمْرًا وَبَقَاءُ مُسْلِمٍ وَاحِدٍ فِي دَارٍ ارْتَدَّ أَهْلُهَا يَمْنَعُ مِنْ صَيْرُورَتِهَا دَارَ حَرْبٍ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جُزْئِهِ كَالْعَشَرَةِ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَجْزَاءِ أَمَّا فِي الْأَفْرَادِ فَلَا كَالرِّجَالِ لَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ وَاحِدٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْدِ وَالْجُزْءِ أَنَّهُ إنْ صَدَقَ اسْمُ الْكُلِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فَالْآحَادُ أَفْرَادٌ، وَإِلَّا فَأَجْزَاءٌ كَمَا عُرِفَ مِنْ بَحْثِ الْعَامِّ فِي الْأُصُولِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ نَقْلُ الْأَكْثَرِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِ الْكُلِّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ نَقْلُ مَا تَقُومُ بِهِ السُّكْنَى؛ لِأَنَّ مَا وَرَاءَهُ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى، وَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجَّحَ قَوْلَ الْإِمَامِ، وَأَخَذَ بِهِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا لَا تَتَأَتَّى بِهِ السُّكْنَى كَقِطْعَةِ حَصِيرٍ وَوَتَدٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَرُجِّحَ فِي الْهِدَايَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ أَحْسَنُ، وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَرَّحَ كَثِيرٌ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْكَافِي بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ كَمَا تَرَى وَالْإِفْتَاءُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْفَقَ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِ السُّكْنَى تَبْقَى بِبَقَاءِ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَتَاعِ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ الْمُودَعُ وَتَرَكَ الْوَدِيعَةَ لَا غَيْرُ فِي الْمَنْزِلِ الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ لَا يَضْمَنُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِكُلِّ حَالٍ ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ مِنْ فَصْلِ الْخَيَّاطِ وَالنَّسَّاجِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ فَسَكَنَ مَنْزِلًا مِنْهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الدَّارَ هَكَذَا تُسْكَنُ عَادَةً فَإِنْ عَنَى أَنْ لَا يَسْكُنَهَا كُلَّهَا لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَسْكُنَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّ الدَّارَ حَقِيقَةً اسْمٌ لِلْجَمِيعِ فَقَدْ نَوَى الْحَقِيقَةَ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ أَهْلَهُ، وَمَتَاعَهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَبَرُّ سَوَاءٌ سَكَنَ فِي مَنْزِلٍ آخَرَ أَوْ لَا، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي الْهِدَايَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَنْزِلٍ آخَرَ بِلَا تَأْخِيرٍ حَتَّى يَبَرَّ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى السِّكَّةِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ قَالُوا لَا يَبَرُّ دَلِيلُهُ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِعِيَالِهِ مِنْ مِصْرِهِ فَلَمْ يَتَّخِذْ وَطَنًا آخَرَ يَبْقَى وَطَنُهُ الْأَوَّلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا هَذَا. اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الْحِنْثِ أَوْجُهُ، وَكَوْنُ وَطَنِهِ بَاقِيًا فِي حَقِّ إتْمَامِ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَسْتَوْطِنْ غَيْرَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَسْمِيَتَهُ سَاكِنًا عُرْفًا بِذَلِكَ الْمَكَانِ بَلْ يَقْطَعُ مِنْ الْعُرْفِ فِيمَنْ نَقَلَ أَهْلَهُ، وَأَمْتِعَتَهُ وَخَرَجَ مُسَافِرًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ سَاكِنٌ. اهـ.
وَفَصَّلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَقَالَ إنْ لَمْ يُسَلِّمْ دَارِهِ الْمُسْتَأْجَرَةَ إلَى أَهْلِهَا حَنِثَ، وَإِنْ سَلَّمَهَا لَا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَا لَمْ يَتَّخِذْ مَسْكَنًا آخَرَ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَسَائِلَ الْيَمِينِ عَلَى السُّكْنَى فَنَحْنُ نَذْكُرُهَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ، وَلَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فِيهَا فَالسُّكْنَى فِيهَا أَنْ يَسْكُنَهَا بِنَفْسِهِ وَيَنْقُلَ إلَيْهَا مِنْ مَتَاعِهِ مَا يَبَاتُ فِيهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ حَانِثٌ، وَأَمَّا الْمُسَاكَنَةُ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ سَاكِنًا مَعَ رَجُلٍ فِي دَارٍ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يُسَاكِنَ صَاحِبَهُ فَإِنْ أَخَذَ فِي النَّقْلَةِ، وَهِيَ مُمْكِنَةٌ بَرَّ، وَإِلَّا حَنِثَ وَالنَّقْلَةُ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْحَالِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَهُمَا مَنْزِلٌ وَاحِدٌ.
فَإِنْ وَهَبَ مَتَاعَهُ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ أَعَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ فِي طَلَبِ مَنْزِلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَنْزِلًا أَيَّامًا، وَلَمْ يَأْتِ الدَّارَ الَّتِي فِيهَا صَاحِبُهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْمَشَايِخُ اسْتَثْنَوْا مِنْهُ إلَخْ) أَقُولُ: عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ يَتَوَافَقُ قَوْلُ الْإِمَامِ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْإِفْتَاءُ بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَوْلَى) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَدَارُ إلَّا عَلَى الْعُرْفِ فِي أَنَّهُ سَاكِنٌ أَوْ لَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ تَرْكِ الْمَكَانِ، وَعَدَمِ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَنَقَلَ مِنْ أَمْتِعَتِهِ فِيهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ سُكْنَاهُ، وَهُوَ عَلَى نِيَّةِ نَقْلِ الْبَاقِي يُقَالُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَلْ انْتَقَلَ مِنْهُ وَسَكَنَ فِي الْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ وَبِهَذَا يَتَرَجَّحُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ.
وَهَذَا التَّرْجِيحُ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ