قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ كَانَ وَهَبَ لَهُ الْمَتَاعَ، وَقَبَضَهُ مِنْهُ وَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَيْسَ مِنْ رَأْيِهِ الْعَوْدُ فَلَيْسَ بِمُسَاكَنٍ، وَكَذَلِكَ إنْ أَوْدَعَهُ الْمَتَاعَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى ذَلِكَ الْمَنْزِلِ، وَكَذَا الْعَارِيَّةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي الدَّارِ زَوْجَةٌ فَرَاوَدَهَا الْخُرُوجَ فَأَبَتْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِبَقَائِهَا.
وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي عَرْصَةِ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ غُرْفَةٍ حَنِثَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي دَارٍ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ أَوْ هَذَا فِي مَنْزِلٍ، وَهَذَا فِي مَنْزِلٍ حَنِثَ إلَّا أَنْ تَكُونَ دَارًا كَبِيرَةً قَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلُ دَارِ الرَّقِيقِ وَدَارِ الْوَلِيدِ بِالْكُوفَةِ، وَكَذَا كُلُّ دَارٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا مَقَاصِيرُ وَمَنَازِلُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا، وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا فَسَكَنَ هَذَا فِي حُجْرَةٍ، وَهَذَا فِي حُجْرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُسَاكِنَهُ فِي حُجْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ سَكَنَ هَذَا فِي بَيْتٍ مِنْ دَارٍ، وَهَذَا فِي بَيْتٍ آخَرَ، وَقَدْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ، وَلَمْ يُسَمِّ دَارًا حَنِثَ فِي قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كَالْبَيْتِ الْوَاحِدِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ سَاكَنَهُ فِي حَانُوتٍ فِي سُوقٍ يَعْمَلَانِ فِيهِ عَمَلًا أَوْ يَبِيعَانِ تِجَارَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا قَالُوا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا بِالْكُوفَةِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ أَحَدُهُمَا فِي دَارٍ وَالْآخَرُ فِي دَارٍ أُخْرَى فِي قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ دَرْبٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَجْمَعَهُمَا السُّكْنَى فِي دَارٍ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ الْمُخَالَطَةُ وَذَكَرَ الْكُوفَةَ لِتَخْصِيصِ الْيَمِينِ بِهَا حَتَّى لَا يَحْنَثَ بِمُسَاكَنَتِهِ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ حَلَفَ الْمَلَّاحُ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا فِي سَفِينَةٍ فَنَزَلَ مَعَ كُلِّ أَهْلِهِ، وَمَتَاعِهِ وَاتَّخَذَهَا مَنْزِلَهُ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ إذَا جَمَعَتْهُمْ خَيْمَةٌ، وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الْخِيَامُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ تَقَارَبَتْ، وَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْوِي مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَأْوِي فِي مَكَان أَوْ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ فَالْإِيوَاءُ الْكَوْنُ مَاكِثًا فِي الْمَكَانِ أَوْ مَعَ فُلَانٍ فِي مَكَان قَلِيلًا كَانَ الْمُكْثُ أَوْ كَثِيرًا لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا فَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيتُ مَعَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيتُ فِي مَكَانِ كَذَا فَالْمَبِيتُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يَكُونُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ يَحْنَثْ وَسَوَاءٌ نَامَ فِي الْمَوْضِعِ أَوْ لَمْ يَنَمْ.
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذِهِ الدَّارِ، وَقَدْ ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ ثُمَّ بَاتَ بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْبَيْتُوتَةَ إذَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى أَكْثَرِ اللَّيْلِ فَقَدْ حَلَفَ عَلَى مَا لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ. اهـ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَنَزَلَ مَنْزِلَهُ فَمَكَثَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ سَاكِنًا مَعَهُ حَتَّى يُقِيمَ مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الْكُوفَةَ فَمَرَّ بِهَا مُسَافِرًا فَنَوَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَوَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا يَحْنَثُ، وَلَوْ سَافَرَ الْحَالِفُ فَسَكَنَ فُلَانٌ مَعَ أَهْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْنَثُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يُسَاكِنْهُ حَقِيقَةً. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَ الْحَالِفِ غَصْبًا فَأَقَامَ الْحَالِفُ مَعَهُ حَنِثَ عَلِمَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَإِنْ خَرَجَ الْحَالِفُ بِأَهْلِهِ، وَأَخَذَ بِالنَّقْلِ حِينَ نَزَلَ الْغَاصِبُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فَسَاكَنَهُ فِي مَقْصُورَةٍ أَوْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ وَمَتَاعٍ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا فِي دَارٍ وَسَمَّى دَارًا بِعَيْنِهَا فَتَقَاسَمَاهَا وَضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيْنَهُمَا حَائِطًا، وَفَتَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ بَابًا فَسَكَنَ الْحَالِفُ فِي طَائِفَةٍ وَالْآخَرُ فِي طَائِفَةٍ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ الدَّارَ فِي يَمِينِهِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ دَارًا عَلَى التَّنْكِيرِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا شَهْرَ كَذَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَإِذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فَسَاكَنَهُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَوْ مَقْصُورَةٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلٍ، وَمَتَاعٍ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةَ، وَقَدْ قَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْمُسَاكَنَةُ إلَّا بِأَهْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مَتَاعِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْوَاقِعَاتِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُسَاكِنَ فُلَانًا فَنَزَلَ الْحَالِفُ، وَهُوَ مُسَافِرٌ مَنْزِلَ فُلَانٍ فَسَكَنَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ إلَخْ فَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِالْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ: فَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَ الْحَالِفِ غَصْبًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَعْنَاهُ وَسَكَنَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ تَأَمَّلْ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الْأَصْلِ لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ زَائِرًا أَوْ ضَيْفًا فَأَقَامَ فِيهِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَحْنَثُ، وَالْمُسَاكَنَةُ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالدَّوَامِ، وَذَلِكَ بِأَهْلِهِ وَمَتَاعِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ مُسَاكَنَةٌ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا يَمْتَدُّ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ.
وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الرَّمْلِيُّ فَقَالَ الصَّوَابُ حَذْفُ لَا قَالَ ثُمَّ إنِّي تَتَبَّعْت كُتُبَ أَئِمَّتِنَا فَرَأَيْت فِي كَثِيرٍ مِنْهَا كالتتارخانية وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا مِثْلَ مَا هُنَا مِنْ إثْبَاتِ حَرْفِ لَا (قَوْلُهُ: لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ هُوَ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ إذْ مَعَ التَّعْرِيفِ مَعْنَاهُ فِي شَهْرِ كَذَا، وَمَعَ التَّنْكِيرِ مَعْنَاهُ مُدَّةَ شَهْرٍ، وَإِلَّا فَكُلٌّ مِنْ الْمُسَاكَنَةِ وَالْإِقَامَةِ مِمَّا يَمْتَدُّ إذْ يُقَالُ سَكَنْتُ فِي الدَّارِ شَهْرًا، وَأَقَمْتُ فِيهِ شَهْرًا تَأَمَّلْ أَقُولُ: أَيْضًا عِنْدِي فِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ إذْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ