للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَاكَنَهُ سَاعَةً فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُسَاكَنَةَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ لَا أُقِيمُ بِالرَّقَّةِ شَهْرًا لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُقِمْ جَمِيعَ الشَّهْرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ الرَّقَّةَ شَهْرًا فَسَكَنَ سَاعَةً حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ اللَّيْلَةَ فِي هَذَا الْمَنْزِلِ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَبَاتَ خَارِجَ الْمَنْزِلِ، وَأَهْلُهُ وَمَتَاعُهُ فِي الْمَنْزِلِ لَا يَحْنَثُ، وَهَذِهِ الْيَمِينُ تَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى الْمَتَاعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عَلَى سَطْحِ هَذَا الْبَيْتِ، وَعَلَى الْبَيْتِ غُرْفَةٌ، وَأَرْضُ الْغَرْفَةِ سَطْحُ هَذَا الْبَيْتِ يَحْنَثُ إنْ بَاتَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيتُ عَلَى سَطْحٍ فَبَاتَ عَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ.

وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَبِيتُ فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ غَدًا فَهُوَ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ اللَّيْلَةَ الْجَائِيَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَمَا مَضَى أَكْثَرُ اللَّيْلَةِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَكُونُ غَدًا فِي مَنْزِلِ فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى سَاعَةٍ مِنْ الْغَدِ. اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ قَالَ لَأَسْكُنَنَّ هَذِهِ الدَّارَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَذَهَبَ عَلَى مَا هُوَ الشَّرْطُ ثُمَّ عَادَ وَسَكَنَ يَحْنَثُ هَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى، وَأَفْتَى الْقَاضِي الْإِمَامُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْفَوْرَ لَا يَحْنَثُ إذَا عَادَ وَسَكَنَ، وَكَذَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مُقَدِّمَةُ الْفَوْرِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ فِي هَذِهِ الدَّارَ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ قَالُوا إنْ كَانَ سَاكِنًا فِيهَا فَهُوَ عَلَى السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنًا فَهُوَ عَلَى الْقُعُودِ حَقِيقَةً، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَجْمَعُنِي، وَإِيَّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ فَهَذَا عَلَى الْمُجَالَسَةِ فَإِنْ جَالَسَهُ فِي بَيْتٍ أَوْ فُسْطَاطٍ أَوْ سَفِينَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ حَنِثَ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ جَمَاعَةً فَصَلَّى الْآخَرُ مَعَهُ فِي الْقَوْمِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَجَاءَ الْآخَرُ فَجَلَسَ إلَيْهِ فَقَدْ حَنِثَ، وَإِنْ جَلَسَ بَعِيدًا مِنْهُ، وَلَمْ يَجْلِسْ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ الْوَاحِدُ إذَا كَانَ يَجْلِسُ هَذَا فِي مَكَان، وَهَذَا فِي مَكَان غَيْرَ مُجَالِسٍ لَهُ لَا يَحْنَثُ اهـ.

(قَوْلُهُ: لَا يَخْرُجُ فَأُخْرِجَ مَحْمُولًا بِأَمْرِهِ حَنِثَ وَبِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا لَا) أَيْ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ شُرُوعٌ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَلِفِ عَلَى الْخُرُوجِ فَإِذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ مَثَلًا فَأَمَرَ إنْسَانًا فَحَمَلَهُ، وَأَخْرَجَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَكِبَ دَابَّةً فَخَرَجَتْ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ لِعَدَمِ الْأَمْرِ، وَلَوْ حَمَلَهُ بِرِضَاهُ لَا بِأَمْرِهِ لَا يَحْنَثُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ بِالْأَمْرِ لَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا، وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِيهِمَا لَا تَنْحَلُّ فِي الصَّحِيحِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ، وَقَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ تَنْحَلُّ، وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ هَلْ يَحْنَثُ فَمَنْ قَالَ انْحَلَّتْ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، وَمَنْ قَالَ لَا تَنْحَلُّ قَالَ حَنِثَ وَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَصَوَابُهُ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إنْ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ دَخَلَ بَعْدَ هَذَا الْإِخْرَاجِ ثُمَّ خَرَجَ، وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَنَعَمْ. قَيَّدَ بِكَوْنِهِ أُخْرِجَ مُكْرَهًا أَيْ حَمَلَهُ الْمُكْرِهُ، وَأَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ مُكْرَهًا، وَهُوَ الْإِكْرَاهُ الْمَعْرُوفُ، وَهُوَ أَنْ يَتَوَعَّدَهُ حَتَّى يَفْعَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَا أُسَاكِنُهُ شَهْرَ كَذَا تَوْقِيتُ الْحَلِفِ بِالشَّهْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ إذْ مَعْنَاهُ لَا أُسَاكِنُهُ مُدَّةَ شَهْرِ كَذَا ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْخَانِيَّةِ والتتارخانية أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَيَدِينُ فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ وَالظَّاهِرُ الِاحْتِمَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ يَقْضِي بِشَيْءٍ مِنْهُمَا اُتُّبِعَ فَظَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى صِحَّةُ مَا بَحَثْتُهُ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاكَنَةِ قَالَ عَنَيْتُ مُسَاكَنَةَ فُلَانٍ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ دُيِّنَ، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ وَالْبُخَارِيُّ يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَيَّنَ فِي الْقَضَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ هَذَا إذَا عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْمُسَاكَنَةِ، وَإِنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى السُّكْنَى بِأَنْ قَالَ إنْ سَكَنْتُ هَذِهِ الدَّارَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَعَبْدِي حُرٌّ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهَا الْمَشَايِخُ فَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَسْكُنْ فِيهَا جَمِيعَ الشَّهْرِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَحْنَثُ إذَا سَكَنَ فِيهَا سَاعَةً، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْقَاضِي الْعَامِرِيُّ. اهـ.

أَقُولُ: فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الْفِقْهِيُّ أَنْ لَا يَحْنَثَ إلَّا بِسُكْنَى الْجَمِيعِ مَا لَمْ يَنْوِ سُكْنَى سَاعَةٍ مِنْهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَوْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِسُكْنَى سَاعَةٍ اهـ. مُلَخَّصًا

(قَوْلُهُ: وَهَذَا بَيَانُ كَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ) ذَكَرَ الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ مَنْ يَثِقُ بِهِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَفْتَى بِهَذَا ثُمَّ قَالَ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَالَ إلَى مَا هُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ نَقَرْت فِي فَتَاوَاهُ الَّتِي هِيَ وَاقِعَاتُهُ فَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْفُتْيَا فِيهَا بَلْ رَأَيْت مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهَا فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي مِثْلِهَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَحْنَثُ، وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.

قُلْتُ: قَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي فَتَاوَاهُ الْمُرَتَّبَةِ ثُمَّ نَقَلَ مُرَتِّبُهَا عِبَارَةَ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ شَيْخَنَا أَفْتَى بِانْحِلَالِهَا لِكَوْنِهِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ (قَوْلُهُ: لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ عِنْدَنَا) اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا مَرَّ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ مِنْ أَنَّ لِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرًا فِي إعْدَامِ الْفِعْلِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ هُنَا لَا يُعْدِمُ الْفِعْلَ أَيْ لَا يَرْفَعُهُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَصُدُورِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>