وَهُوَ الشَّرْطُ إذْ الْخُرُوجُ هُوَ الِانْفِصَالُ مِنْ الدَّاخِلِ إلَى الْخَارِجِ، وَأَمَّا الْإِتْيَانُ فَعِبَارَةٌ عَنْ الْوُصُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٦] وَاخْتُلِفَ فِي الذَّهَابِ فَقِيلَ هُوَ كَالْإِتْيَانِ، وَقِيلَ كَالْخُرُوجِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الزَّوَالِ أُطْلِقَ فِي الْحِنْثِ بِالْخُرُوجِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا جَاوَزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ عَلَى قَصْدِهَا فَلَوْ خَرَجَ قَاصِدًا مَكَّةَ، وَلَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا كَأَنَّهُ ضَمَّنَ لَفْظَ أَخْرُجُ مَعْنَى أُسَافِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُضِيَّ إلَيْهَا سَفَرٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مُدَّةُ سَفَرٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِهِ مِنْ الدَّاخِلِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى بَغْدَادَ الْيَوْمَ فَخَرَجَ مِنْ بَابِ دَارِهِ يُرِيدُ بَغْدَادَ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَى جِنَازَةِ فُلَانٍ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَحْنَثُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى بَغْدَادَ سَفَرٌ وَالْمَرْءُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا مَا لَمْ يُجَاوِزْ عُمْرَانَ مِصْرِهِ، وَلَا كَذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ مِنْ دَارِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَخَرَجَ إلَى صَحْنِ الدَّارِ ثُمَّ رَجَعَ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ خَارِجًا فِي جِنَازَةِ فُلَانٍ مَا دَامَ فِي دَارِهِ كَمَا لَا يُعَدُّ خَارِجًا إلَى بَغْدَادَ مَا دَامَ فِي مِصْرِهِ فَاسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ مَعْنًى. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ عَمْرُ بْنُ أَسَدٍ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ الرَّقَّةِ مَا الْخُرُوجُ قَالَ إذَا جَعَلَ الْبُيُوتَ خَلْفَ ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخُرُوجَ إنْ كَانَ مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى يُجَاوِزَ عُمْرَانَ مِصْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ إلَى مَقْصِدِهِ مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجًا مِنْ الْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَكَّةَ مَاشِيًا فَخَرَجَ مِنْ أَبْيَاتِ الْمِصْرِ مَاشِيًا يُرِيدُ بِهِ مَكَّةَ ثُمَّ رَكِبَ حَنِثَ، وَلَوْ خَرَجَ رَاكِبًا ثُمَّ نَزَلَ فَمَشَى لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ وَاَللَّهِ لَأَخْرُجَنَّ مَعَ فُلَانٍ الْعَامَ إلَى مَكَّةَ إذَا خَرَجَ مَعَ فُلَانٍ حَتَّى جَاوَزَ الْبُيُوتَ وَصَارَ بِحَيْثُ يُبَاحُ لَهُ قَصْرُ الصَّلَاةِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ بَغْدَادَ فَخَرَجَ مَعَ جِنَازَةٍ وَالْمَقَابِرُ خَارِجَةٌ مِنْ بَغْدَادَ يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَاهُنَا الْيَوْمَ فَإِنْ رَجَعْتِ إلَى سَنَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَخَرَجَتْ الْيَوْمَ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْيَمِينِ خُرُوجَ الِانْتِقَالِ أَوْ السَّفَرِ لَا تَطْلُقُ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ مِنْ الرُّسْتَاقِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَحِقَهُ رَبُّ الدُّيُونِ فَقَالَ لَهَا اُخْرُجِي مَعِي إلَى حَيْثُ كُنَّا فِيهِ فَأَبَتْ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي مَعِي فَكَذَا فَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي الْحَالِ إلَى دَرْبِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ رَجَعَتْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ أَرَادَ زَوْجُهَا الْخُرُوجَ أَصْلًا. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الرِّيِّ إلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ مِنْ الرِّيِّ يُرِيدُ مَكَّةَ وَجَعَلَ طَرِيقَهُ إلَى الْكُوفَةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ حَيْثُ خَرَجَ نَوَى أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ حَنِثَ، وَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَمَا خَرَجَ فَصَارَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَقَصَدَ أَنْ يَمُرَّ بِالْكُوفَةِ لَا يَحْنَثُ. اهـ.
ثُمَّ فِي الْخُرُوجِ وَالذَّهَابِ تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الِانْفِصَالِ لِلْحِنْثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْإِتْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ إذَا وَصَلَ إلَيْهَا يَحْنَثُ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ يَحْتَمِلُ الْخُرُوجَ إلَيْهَا، وَإِلَى غَيْرِهَا، وَكَذَا الذَّهَابُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ عِنْدَ ذَلِكَ كَالْخُرُوجِ إلَى الْجِنَازَةِ بِخِلَافِ الْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَفِي الْمُحِيطِ لَيَأْتِيَنَّهُ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ لَا يَحْنَثُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا تَأْتِيَ امْرَأَتُهُ عُرْسَ فُلَانٍ فَذَهَبَتْ قَبْلَ الْعُرْسِ، وَكَانَتْ ثَمَّةَ حَتَّى مَضَى الْعُرْسُ لَا يَحْنَثُ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى، وَعَلَّلَهُ فَقَالَ؛ لِأَنَّهَا مَا أَتَتْ الْعُرْسَ بَلْ الْعُرْسُ أَتَاهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَزِمَ رَجُلًا وَحَلَفَ الْمُلْتَزَمُ لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَأَتَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَزِمَهُ فِيهِ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ فَإِنْ كَانَ لَزِمَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَحَلَفَ
ــ
[منحة الخالق]
فُلَانٌ قَدْ انْتَقَلَ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّقْلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِعَامَّةِ مَتَاعِهِ، وَأَقُولُ: وَالرِّحْلَةُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ارْتَحَلَ الْقَوْمُ مِنْ الْمَكَانِ انْتَقَلُوا وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا يَقَعُ كَثِيرًا أَنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ عَلَى الرَّحِيلِ مِنْ بَلَدِهِ فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ اهـ.