للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيَأْتِيَنَّهُ غَدًا فَتَحَوَّلَ الطَّالِبُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَأَتَى الْحَالِفُ الْمَنْزِلَ الَّذِي كَانَ فِيهِ الطَّالِبُ فَلَمْ يَجِدْهُ لَا يَبَرُّ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَنْزِلَ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ آتِكَ غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَدْ بَرَّ إنَّمَا هَذَا عَلَى إتْيَانِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أُوَفِّكَ غَدًا فِي مَوْضِعِ كَذَا فَأَتَى الْحَالِفُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَلَمْ يَجِدْهُ حَيْثُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا. اهـ.

وَقَيَّدَ بِالْإِتْيَانِ؛ لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ، وَلِذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا حَلَفَ لَيَعُودَنَّ فُلَانًا أَوْ لِيَزُورُنَّهُ فَأَتَى بَابَهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَتَى بَابَهُ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْ حَنِثَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَمُنِعَ أَوْ قُيِّدَ حَنِثَ فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ هُنَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا. اهـ.

وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُرْسِلْ إلَيْكِ نَفَقَتَكِ هَذَا الشَّهْرَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَرْسَلَ بِهَا عَلَى يَدِ إنْسَانٍ وَضَاعَتْ مِنْ يَدِ الرَّسُولِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَرْسَلَ، وَكَذَا إذَا قَالَ إنْ لَمْ أَبْعَثْ إلَيْكِ نَفَقَةَ هَذَا الشَّهْرِ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَجِيئِينِي غَدًا بِمَتَاعِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ فَبَعَثَتْ بِهِ مَعَ إنْسَانٍ قَالَ إنْ كَانَ مُرَادُهُ وُصُولَ عَيْنِ الْمَتَاعِ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُهُ أَنْ تَحْمِلَ بِنَفْسِهَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ الْعَسَسُ فَحَبَسَهُمْ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ هَكَذَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَقَدْ مَرَّ فِي أَوَّلِ النَّوْعِ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِخِلَافِ هَذَا. اهـ. مَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِلَفْظِ الرَّوَاحِ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَهُوَ كَثِيرُ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمِصْرِيِّينَ، وَفِي أَيْمَانِهِمْ لَكِنْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ الرَّوَاحَ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ كِتَابِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ.

فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا فَهُوَ بِمَعْنَى لَا يَذْهَبُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ عَنْ قَصْدِهِ وَصَلَ أَوْ لَا.

(قَوْلُهُ) (: لَيَأْتِيَنَّهُ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ قَبْلَ ذَلِكَ مَوْجُودٌ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْإِتْيَانِ بَلْ كُلُّ فِعْلٍ حَلَفَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَطْلَقَهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقَعَ الْإِيَاسُ عَنْ الْبِرِّ مِثْلُ لَيَضْرِبَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيُعْطِيَنَّ فُلَانَةَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّ زَوْجَتَهُ وَتَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْبِرِّ يَكُونُ بِفَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ الْحَالِفَ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ لَا يَحْنَثُ مَا دَامَ الْحَالِفُ وَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ قَائِمَيْنِ لِتَصَوُّرِ الْبِرِّ فَإِذَا فَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ. اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ حَتَّى مَاتَ يَعُودُ إلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفَ أَوْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحَالِفِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَقَيَّدَ بِالْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَإِنَّ الْحِنْثَ مُعَلَّقٌ بِآخِرِ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْحَالِفُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يَدْخُلْ الدَّارَ لَا يَحْنَثُ، وَأَمَّا إذَا مَضَى الْوَقْتُ قَبْلَ دُخُولِهِ، وَهُوَ حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ إلَّا بِقَرِينَةٍ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْفَصْلِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْعِيَادَةَ وَالزِّيَارَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْوُصُولُ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْوُصُولَ الْمَنْفِيَّ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا هُوَ الْوُصُولُ إلَى الشَّخْصِ الْمُعَادِ وَالْمَزُورِ أَمَّا الْوُصُولُ إلَى بَابِ دَارِهِ فَهُوَ شَرْطٌ، وَكَذَا فِي الْإِتْيَانِ فَقَدْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْتِي فُلَانًا فَهُوَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ أَوْ حَانُوتَهُ لَقِيَهُ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنْ أَتَى مَسْجِدَهُ لَمْ يَحْنَثْ رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ.

فَقَدْ اشْتَرَكَ الْإِتْيَانُ وَالْعِيَادَةُ وَالزِّيَارَةُ فِي اشْتِرَاطِ الْوُصُولِ إلَى الْمَنْزِلِ دُونَ الْوُصُولِ إلَى صَاحِبِهِ بَلْ زَادَتْ الْعِيَادَةُ وَالزِّيَارَةُ اشْتِرَاطَ الِاسْتِئْذَانِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ هَذَا قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي إنْ لَمْ أَخْرُجْ مَنْفِيٌّ، وَفِي لَيَعُودَنَّ فُلَانًا مُثْبَتٌ، وَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِي الْمُثْبَتِ لَا فِي الْمَنْفِيِّ كَمَا مَرَّ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الذَّهَابَ كَالْإِتْيَانِ لَا عَلَى أَنَّهُ كَالْخُرُوجِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَعَلَى هَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَرُوحُ إلَى كَذَا إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالذَّهَابِ لَيْلًا وَالْمُدَّعَى أَعَمُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبْنَى عَلَى الْعُرْفِ. اهـ.

قُلْتُ: وَفِي الْمِصْبَاحِ مَا هُوَ أَوْضَحُ مِمَّا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ فِيهِ، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الرَّوَاحُ وَالْغُدُوُّ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَسِيرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلَهُ كَذَا» أَيْ مَنْ ذَهَبَ ثُمَّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ، وَأَمَّا رَاحَتْ الْإِبِلُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْعَشِيِّ إذَا أَرَاحَهَا عَلَى أَهْلِهَا يُقَالُ سَرَحَتْ الْإِبِلُ بِالْغَدَاةِ إلَى الْمَرْعَى وَرَاحَتْ بِالْعَشِيِّ عَلَى أَهْلِهَا أَيْ رَجَعَتْ مِنْ الْمَرْعَى إلَيْهِمْ فَهِيَ رَائِحَةٌ. اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>