السَّابِعِ، وَلَوْ حَلَفَ إنْ رَأَى فُلَانًا لَيَضْرِبَنَّهُ فَالرُّؤْيَةُ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ وَالضَّرْبُ مَتَى شَاءَ إلَّا أَنْ يَعْنِيَ الْفَوْرَ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يُوَاقِعَ امْرَأَتَهُ، وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي مَعِي فِي الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ بَعْدَمَا سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَإِنْ دَخَلَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ غُلَامَهُ فِي كُلِّ حَقٍّ، وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ كُلَّ مَا شُكِيَ إلَيْهِ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ، وَلَا يَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى فَوْرِ الشِّكَايَةِ مَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ. اهـ. وَسَيَأْتِي تَمَامُ مَسَائِلِ الْفَوْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا.
(قَوْلُهُ: لَيَأْتِيَنَّهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَهِيَ اسْتِطَاعَةُ الصِّحَّةِ) ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ فِي الْعُرْفِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ، وَفَسَّرَهَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَمْرَضْ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّلْطَانُ، وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِهِ فَلَمْ يَأْتِهِ حَنِثَ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِسَلَامَةِ الْآلَاتِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ فَالْمَرِيضُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ وَالْمُرَادُ بِصِحَّةِ الْأَسْبَابِ تَهْيِئَةٌ لِإِرَادَةِ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ فَخَرَجَ الْمَمْنُوعُ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ الِاسْتِطَاعَةُ رَفْعُ الْمَوَانِعِ. اهـ.
فَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَسِيَ الْيَمِينَ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَانِعٌ، وَكَذَا لَوْ جُنَّ فَلَمْ يَأْتِهِ حَتَّى مَضَى الْغَدُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِذَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَحَدُّهَا التَّهَيُّؤُ لِتَقْيِيدِ الْفِعْلِ عَلَى إرَادَةِ الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَوَى الْقُدْرَةَ دُيِّنَ) أَيْ صُدِّقَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ وَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَى سَلَامَةِ الْآلَاتِ وَصِحَّةِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُتَعَارَفِ فَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ الْأَوَّلِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقِيلَ يُصَدَّقُ قَضَاءً أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَإِذَا صُدِّقَ لَا يُتَصَوَّرُ حِنْثُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْفِعْلَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكِنْ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَنْ الْقَرِينَةِ لِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بِخُصُوصِهِ، وَهُوَ سَلَامَةُ آلَاتِ الْفِعْلِ وَصِحَّةُ أَسْبَابِهِ فَصَارَ ظَاهِرًا فِيهِ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي فِي خِلَافِ الظَّاهِرِ. اهـ.
وَقَدْ أَظْهَرَ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى اعْتِزَالَهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ كَمَا أَظْهَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُجْتَبَى قُلْتُ: وَفِي قَوْلِهِ حَقِيقَةُ الِاسْتِطَاعَةِ فِيمَا يُقَارِنُ الْفِعْلَ نَظَرٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالسُّنِّيَّةِ أَنَّ الْقُدْرَةَ تُقَارِنُ الْفِعْلَ، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ وَسَائِرُ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ قَادِرِينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَكَانَ تَكْلِيفُهُمْ بِالْإِيمَانِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ، وَكَانَ إرْسَالُ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ وَالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ضَائِعَةً فِي حَقِّهِمْ. اهـ.
وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَيْسَ مَشْرُوطًا بِهَذِهِ الْقُدْرَةِ حَتَّى يَلْزَمُ مَا ذَكَرَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ الظَّاهِرَةِ، وَهِيَ سَلَامَةُ الْآلَاتِ وَصِحَّةُ الْأَسْبَابِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.
(قَوْلُهُ: لَا تَخْرُجِي إلَّا بِإِذْنِي شَرْطٌ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ بِخِلَافِ إلَّا أَنْ وَحَتَّى) أَيْ بِخِلَافِ لَا تَخْرُجِي إلَّا أَنْ آذَنَ لَكِ أَوْ حَتَّى أَنْ آذَنَ لَكِ فَأَذِنَ لَهَا مَرَّةً انْتَهَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ خَرَجَتْ بِإِذْنِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَحْنَثُ وَالْفَرْقُ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى خُرُوجٌ مَقْرُونٌ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ مُفَرَّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ فَصَارَ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِهِ فَمَا لَمْ يَكُنْ مُلْصَقًا بِالْإِذْنِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْيَمِينِ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ فَيَحْنَثُ بِهِ، وَفِي الثَّانِي الْإِذْنُ غَايَةٌ أَمَّا فِي حَتَّى فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي إلَّا أَنْ فَتَجُوزُ بِإِلَّا فِيهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ وَبِالْمَرَّةِ يَتَحَقَّقُ فَيَنْتَهِي الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ فِي دُخُولِ بُيُوتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ تِلْكَ الصِّيغَةِ {إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} [الأحزاب: ٥٣] فَبِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَهُوَ تَعْلِيلُهُ بِالْأَذَى {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} [الأحزاب: ٥٣] وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْبَاءِ، وَلَا يَرِدُ أَنَّ إلَّا أَنْ آذَنَ بِمَعْنَى إلَّا بِإِذْنِي؛ لِأَنَّ أَنْ وَالْفِعْلَ فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْبَاءِ، وَإِلَّا صَارَ الْمَعْنَى إلَّا خُرُوجًا إذْنِي فَصَارَ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيرِ الْبَاءِ مَحْذُوفَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يَلْزَمُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ، وَلَا يَرِدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute