أَوْ مَا قُلْنَا مِنْ جَعْلِهَا بِمَعْنَى حَتَّى مَجَازًا أَيْ حَتَّى آذَنَ لَكِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ كَالْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَنْعَقِدُ عَلَى إذْنٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا لَزِمَ فِي إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ وَجَبَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا، وَمَجَازُ غَيْرِ الْحَذْفِ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي وَصْفِ نَفْسِ اللَّفْظِ، وَمَجَازُ الْحَذْفِ تَصَرُّفٌ فِي ذَاتِهِ بِالْإِعْدَامِ مَعَ الْإِرَادَةِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شَرْطٌ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِذْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَكِنَّهُ يُصَدَّقُ دِيَانَةً؛ لِأَنَّهُ نَوَى مُحْتَمَلَ كَلَامِهِ فَيُسْتَعَارُ بِمَعْنَى حَتَّى لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى التَّعَدُّدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ كَلَامِهِ، وَفِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا بِإِذْنٍ بِغَيْرِ إذْنِي فَيُشْتَرَطُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ مَعَ وُجُودِ الْبَاءِ وَالرِّضَا وَالْأَمْرُ وَالْعِلْمُ كَالْإِذْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَلِكَ إنْ خَرَجْت إلَّا بِقِنَاعٍ أَوْ بِمِلْحَفَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَذِنْتُ لَكِ فِي الْخُرُوجِ كُلَّمَا أَرَدْت فَخَرَجَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لَا يَحْنَثُ فَإِنْ نَهَاهَا عَنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ ذَلِكَ صَحَّ النَّهْيُ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ لَهَا كُلَّمَا نَهَيْتُكِ فَقَدْ أَذِنْتُ لَكِ فَنَهَاهَا لَا يَصِحُّ نَهْيُهُ إيَّاهَا، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا عَهْدَ لَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَخَرَجَتْ حَنِثَ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ أَوْ غَائِبَةٌ لَمْ تَسْمَعْ فَخَرَجَتْ حَنِثَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ يَكُونُ إذْنًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِذْنُ يَصِحُّ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ فِي قَوْلِهِمْ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْأَمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَثْبُتُ الْأَمْرُ بِدُونِ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَكُونُ الْإِذْنُ إلَّا بِالسَّمَاعِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إيقَاعُ الْخَبَرِ فِي الْإِذْنِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ إذْنَ الْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالسَّمَاعِ، وَلَوْ كَنَسَتْ الْبَيْتَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَخَرَجَتْ إلَى بَابِ الدَّارِ لِكَنْسِ الْبَابِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا فَلَمْ تَخْرُجْ ثُمَّ خَرَجَتْ فِي، وَقْتٍ آخَرَ إلَى بَعْضِ أَهْلِهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَخَافُ أَنْ يَحْنَثَ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ سَمِعَتْ سَائِلًا يَسْأَلُ شَيْئًا بَعْدَمَا مَنَعَهَا زَوْجُهَا عَنْ الْخُرُوجِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ ادْفَعِي هَذِهِ الْكِسْرَةَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ السَّائِلُ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ الْمَرْأَةُ عَلَى الدَّفْعِ إلَيْهِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ، وَإِلَّا فَيَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا تُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ حَتَّى أَصِيرَ مُطَلَّقَةً فَقَالَ الزَّوْجُ نَعَمْ فَخَرَجَتْ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ هَذَا لِلتَّهْدِيدِ لَا لِلْإِذْنِ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا اُخْرُجِي أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ خَرَجْتِ لَيُخْزِيَنَّكِ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ إذْنًا، وَكَذَا لَوْ غَضِبَتْ الْمَرْأَةُ وَتَأَهَّبَتْ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ الزَّوْجُ دَعُوهَا تَخْرُجُ لَمْ يَكُنْ إذْنًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ فِي غَضَبِهِ اُخْرُجِي يَنْوِي التَّهْدِيدَ وَالتَّوْعِيدَ يَعْنِي اُخْرُجِي حَتَّى تَطْلُقِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إذْنًا، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ فَخَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ طَالِقٌ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَخْرُجَ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْيَمِينِ مُخَاشَنَةً كَانَتْ بَيْنَهُمَا فِي الْخُرُوجِ فَمَتَى كَانَتْ كَذَلِكَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ خَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ كَانَتْ عَلَى الْخُرُوجِ الْأَوَّلِ الْكُلُّ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي قَوْلِهِ لَهَا إنْ خَرَجْتِ مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يَحْنَثُ بِخُرُوجِهَا لِوُقُوعِ غَرَقٍ أَوْ حَرْقٍ غَالِبٍ فِيهَا، وَكَذَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا بِغَيْرِ إذْنِهَا فَأَذِنَتْ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهَا فِي دَارِ كَذَا فَشَرِبَهَا فِي غَيْرِهَا حَنِثَ. اهـ.
وَفِي بَابٍ آخَرَ مِنْهَا إنْ دَفَعْتِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَدَفَعَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقَعْ. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى السَّبَبِ الدَّاعِي إلَى الْيَمِينِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ خَرَجَتْ مَرَّةً ثَانِيَةً بِغَيْرِ إذْنٍ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَدَخَلَتْ وَخَرَجَتْ مِرَارًا فِي الْعَشَرَةِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute