لَا يَحْنَثُ، وَلَا فَرْقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ الزَّوْجَةَ أَوْ الْعَبْدَ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إنْ خَرَجْتَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِكُلِّ خُرُوجٍ إذْنٌ فَلَوْ قَالَ لَهُ أَطِعْ فُلَانًا فِي جَمِيعِ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ لِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِطَاعَةِ فُلَانٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِرَجُلٍ ائْذَنْ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ فَخَرَجَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِالْإِذْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ قُلْ يَا فُلَانُ مَوْلَاكَ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ لَهُ فَخَرَجَ فَإِنَّ الْمَوْلَى حَانِثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَإِنَّمَا أَمَرَ فُلَانًا بِكَذِبٍ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ مَا أَمَرَكَ بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَأَمَرَهُ الرَّجُلُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ فَالْمَوْلَى حَانِثٌ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمَوْلَى مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِرِضَاهُ فَإِذَا قَالَ مَا أَمَرَكَ بِهِ فُلَانٌ فَقَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فُلَانًا يَأْمُرُهُ بِالْخُرُوجِ وَالرِّضَا بِالشَّيْءِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِهِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ هَذَا الْخُرُوجِ مَرْضِيًّا بِهِ فَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُسْتَثْنًى فَبَقِيَ تَحْتَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِلرَّجُلِ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَأَخْبَرَ الرَّجُلُ بِهِ الْعَبْدَ لَمْ يَحْنَثْ الْمَوْلَى.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ بِعْتِ خَادِمَك فَقَدْ أَذِنْتُ لَكِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ هَذَا إذْنًا؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَيَّدَ بِالزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ حَتَّى يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ أَوْ إلَّا أَنْ يَقْدَمَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَقْدَمَ أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ فِي دَارِهِ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِي فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْإِذْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ؛ لِأَنَّ قُدُومَ فُلَانٍ لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً وَالْإِذْنُ فِي الْكَلَامِ يُتَنَاوَلُ كُلَّمَا يُوجَدُ مِنْ الْكَلَامِ بَعْدَ الْإِذْنِ، وَكَذَا خُرُوجُ الرَّجُلِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ عَادَةً بِخِلَافِ الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ذَلِكَ الْخُرُوجَ الْمَأْذُونَ فِيهِ لَا كُلَّ خُرُوجٍ إلَّا بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ مِثْلِ أَذِنْتُ لَكِ أَنْ تَخْرُجِي كُلَّمَا أَرَدْتِ الْخُرُوجَ وَنَحْوِهِ فَكَانَ الِاقْتِصَارُ فِي هَذَا الْوُجُودِ الصَّارِفِ عَنْ التَّكْرَارِ لَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْكُلِّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا أَنْ يَنْسَى فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ذَاكِرًا لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ إلَّا نَاسِيًا فَدَخَلَهَا نَاسِيًا ثُمَّ دَخَلَهَا ذَاكِرًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ كُلِّ دُخُولٍ دُخُولًا بِصِفَةٍ فَبَقِيَ مَا سِوَاهُ دَاخِلًا تَحْتَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَعْنِي حَتَّى فَلَمَّا دَخَلَهَا نَاسِيًا انْتَهَتْ الْيَمِينُ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ دَخْلَةً إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي فُلَانٌ فَأَمَرَهُ فُلَانٌ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَدْ سَقَطَتْ الْيَمِينُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَنِي بِهَا فُلَانٌ بِزِيَادَةِ بِهَا فَأَمَرَهُ فَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْأَمْرِ فِي كُلِّ دَخْلَةٍ كَقَوْلِهِ إلَّا بِأَمْرِ فُلَانٍ كَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ إلَّا لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَأَرَادَتْ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ وَخَرَجَتْ لِأَجْلِهِ قَالُوا إنْ كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُوَكِّلَ بِذَلِكَ حَنِثَ الْحَالِفُ، وَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى أَنْ تُوَكِّلَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِعِلْمِهِ فَخَرَجَتْ، وَهُوَ يَرَاهَا فَمَنَعَهَا لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ أَذِنَ لَهَا بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فَخَرَجَتْ، وَهُوَ يَرَاهَا لَا يَحْنَثُ أَيْضًا. اهـ.
ثُمَّ انْعِقَادُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِذْنِ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْتِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ وَاَللَّهِ لَا تَخْرُجِينَ إلَّا بِإِذْنِي مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ الْمَنْعُ فَلَوْ أَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ إلَّا عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَكَذَا فِي الْعَبْدِ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ حَلَفَ لَيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ تَقَيَّدَ بِقِيَامِ وِلَايَتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَا عَبْدُهُ فَبَانَتْ مِنْهُ أَوْ خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ لِانْعِدَامِ دَلَالَةِ التَّقْيِيدِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: إلَّا بِإِذْنِهِ فَيُعْمَلُ بِعُمُومِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute