للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّفْظِ فَإِنْ عَنَى بِهِ مَا دَامَتْ امْرَأَتُهُ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ طُولِبَ بِحَقٍّ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ دَارِ مُطَالِبهِ حَنِثَ بِالْخُرُوجِ زَالَ ذَلِكَ الْحَقُّ أَوْ لَمْ يَزُلْ لِمَا قُلْنَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ حَلَّفَهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بُخَارَى إلَّا بِإِذْنِهِمْ فَجُنَّ أَحَدُهُمْ قَالَ لَا يَخْرُجُ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ فَخَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ الْإِذْنُ الَّذِي وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ فَمَاتَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَوَاتَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ بَقَاءَ الْيَمِينِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يَمْنَعُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرَادَتْ الْخُرُوجَ فَقَالَ إنْ خَرَجْتِ أَوْ ضَرَبَ الْعَبْدَ فَقَالَ إنْ ضَرَبْتَ تَقَيَّدَ بِهِ كَاجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَقَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ) بَيَانٌ لِيَمِينِ الْفَوْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْرِ الْقَدْرِ إذَا غَلَتْ وَاسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهَا الْحَالُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا فَقِيلَ جَاءَ فُلَانٌ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْيَمِينُ بِهِ بِاعْتِبَارِ فَوَرَانِ الْغَضَبِ انْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ بِإِظْهَارِهَا، وَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي عُرْفِهِمْ قِسْمَيْنِ مُؤَبَّدَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ مُطْلَقًا وَمُؤَقَّتَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا الْيَوْمَ أَوْ هَذَا الشَّهْرَ فَأَخْرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمِينَ الْفَوْرِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ فِي تَسْمِيَتِهَا، وَلَا فِي حُكْمِهَا، وَلَا خَالَفَهُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا. اهـ.

بَلْ النَّاسُ عِيَالُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ كُلِّهِ، وَهِيَ يَمِينٌ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُوَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ أَوْ تَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ حَالِيٍّ فَمِنْ الثَّانِي امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ فَحَلَفَ لَا تَخْرُجُ فَإِذَا جَلَسَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْتِ أَيْ السَّاعَةَ، وَمِنْهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَحَلَفَ عَلَيْهِ لَا يَضْرِبُهُ فَإِذَا تَرَكَهُ سَاعَةً بِحَيْثُ يَذْهَبُ فَوْرُ ذَلِكَ ثُمَّ ضَرَبَهُ لَا يَحْنَثُ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ، وَمِنْ الْأَوَّلِ اجْلِسْ فَتَغَدَّ عِنْدِي فَيَقُولُ إنْ تَغَدَّيْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ تَقَيَّدَ بِالْحَالِ فَإِذَا تَغَدَّى فِي يَوْمِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ يَمِينٌ وَقَعَ جَوَابًا تَضَمَّنَ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ وَالْمَسْئُولُ الْغَدُ الْحَالِيُّ فَيَنْصَرِفُ الْحَلِفُ إلَى الْغَدَاءِ الْحَالِيِّ لِتَقَعَ الْمُطَابَقَةُ.

وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ عَدَمِ نِيَّةِ الْحَالِفِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ قَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ بِأَنْ قَالَ إنْ تَغَدَّيْتُ الْيَوْمَ أَوْ مَعَكَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَغَدَّى فِي بَيْتِهِ أَوْ مَعَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى حَرْفِ الْجَوَابِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً، وَلَا يُقَالُ إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَادَ فِي الْجَوَابِ حِينَ سُئِلَ عَنْ الْعَصَا، وَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدَأً؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا سُئِلَ بِمَا، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى ذَاتِ مَا لَا يَعْقِلُ، وَالصِّفَاتُ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحَالُ فَأَجَابَ بِهِمَا حَتَّى يَكُونَ مُجِيبًا عَنْ أَيِّهِمَا كَانَ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ عِنْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَنْزِلِ إنْ رَجَعْتِ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ جَلَسَتْ فَلَمْ تَخْرُجْ زَمَانًا ثُمَّ خَرَجَتْ وَرَجَعَتْ وَالرَّجُلُ يَقُولُ نَوَيْتُ الْفَوْرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْتِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ يَنْصَرِفُ إلَى هَذِهِ الْخَرْجَةِ فَكَذَا إذَا قَالَ إنْ رَجَعْتِ وَنَوَى الرُّجُوعَ بَعْدَ هَذِهِ الْخَرْجَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الرُّجُوعِ عَنْ هَذِهِ الْخَرْجَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّقْيِيدَ تَارَةً يَثْبُتُ صَرِيحًا وَتَارَةً يَثْبُتُ دَلَالَةً وَالدَّلَالَةُ نَوْعَانِ دَلَالَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَدَلَالَةٌ حَالِيَّةٌ فَدَلَالَةُ اللَّفْظِ نَحْوُ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ تَقَيَّدَ بِحَالِ حَيَاةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالدَّلَالَةُ الْحَالِيَّةُ كَمَا فِي الْكِتَابِ.

وَفِي الْمُحِيطِ أَصْلُهُ أَنَّ الْحَالِفَ مَتَى أَعْقَبَ الْفِعْلَ فِعْلًا بِحَرْفِ الْعَطْفِ، وَهُوَ الْفَاءُ وَالْوَاوُ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ الثَّانِي فِي الْعَادَةِ يُفْعَلُ عَلَى فَوْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُفْعَلُ عَلَى فَوْرِ الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَمُتْ، وَإِنْ ذَكَرَ الْفِعْلَ الثَّانِيَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ أَوْ التَّرَاخِي، وَهُوَ حَرْفُ ثُمَّ فَهُوَ عَلَى الْأَبَدِ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَكَلِمَةُ ثُمَّ عَلَى التَّرَاخِي فَلَوْ قَالَ إنْ ضَرَبْتَنِي فَلَمْ أَضْرِبْكَ أَوْ لَقِيتُكَ فَلَمْ أُسَلِّمْ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَلَّمْتَنِي فَلَمْ أُجِبْكَ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ اسْتَعَرْتُ دَابَّتَكَ فَلَمْ تُعِرْنِي أَوْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَلَمْ أَقْعُدْ، وَإِنْ ذَكَرَ بِحَرْفِ الْوَاوِ بِأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُكَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا خَالَفَهُ أَحَدٌ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ) يُنَافِي هَذَا الْإِطْلَاقُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ زُفَرُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى كُلِّ غَدٍ أَوْ خُرُوجٍ وَضَرَبَ فَاعْتُبِرَ الْإِطْلَاقُ اللَّفْظِيُّ (قَوْلُهُ: فَمِنْ الثَّانِي امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ لِلْخُرُوجِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة فِي الْفَتْحِ مَا يُشِيرُ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ تَغَيُّرِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مَعَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ حَيْثُ قَالَ امْرَأَةٌ تَهَيَّأَتْ إلَى آخِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا أَيْ فَإِنَّهُ ذَكَرَ التَّهَيُّؤَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ لِلْبِرِّ سِوَى الْجُلُوسِ سَاعَةً، وَلَمْ يَشْتَرِطْ تَغَيُّرَ الْهَيْئَةِ الَّتِي قَصَدَتْ الْخُرُوجَ بِهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ جَلَسَتْ سَاعَةً عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ عَلَيْهَا أَيْضًا لَمْ يَحْنَثْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ رُبَّمَا يُخَالِفُهُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْمَرْأَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>