فَأَكَلَ سَمَكًا طَرِيًّا أَوْ مَالِحًا يَحْنَثُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْحَالِفُ خَوَارِزْمِيًّا فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُمْ يُسَمُّونَهُ لَحْمًا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي خُبْزًا فَاشْتَرَى خُبْزَ الْأُرْزِ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِطَبَرِسْتَانَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْإِنْسَانِ وَالْكَبِدِ وَالْكِرْشِ لَحْمٌ) ؛ لِأَنَّ مَنْشَأَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الدَّمُ فَصَارَتْ لَحْمًا حَقِيقَةً فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، وَإِنْ كَانَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ حَرَامًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَنْعَقِدُ لِمَنْعِ النَّفْسِ عَنْ الْحَرَامِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَزْنِي أَوْ لَا يَكْذِبُ تَصِحُّ يَمِينُهُ، وَكَذَا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ شَرَابًا يَدْخُلُ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِشُرْبِهَا لِكَوْنِهَا شَرَابًا حَقِيقَةً وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ لَيْسَ لِعَيْنِهَا بَلْ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، وَهُوَ هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ يَمِينُهُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَصَحَّحَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ، وَقَالَ فِي الْكَافِي، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَمَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا لِلَّفْظِ بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً لَا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِلْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ عُرْفًا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْكُرَاعَ، وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُهُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيِّدًا. اهـ.
فَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِمْ الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا، وَلَمْ يُجِبْ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْحَيَوَانِ، وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَيْهِ إنْ سَلَّمَهَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا فَأَكَلَ شَيْئًا مِنْ الْبُطُونِ كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ يَحْنَثُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِي عُرْفِنَا لَا يَحْنَثُ، وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُجْتَبَى، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا فِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ أَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ بِأَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطُّيُورِ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ مَشْوِيًّا أَوْ قَدِيدًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ فَهَذَا مِنْ مُحَمَّدٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالنِّيءِ، وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا اللَّحْمِ شَيْئًا فَأَكَلَ مِنْ مَرَقَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةُ الْمَرَقَةِ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ النِّيءِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ شَاةٍ فَأَكَلَ لَحْمَ عَنْزٍ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشَّاةَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الشَّاةَ أَيْ الضَّأْنَ وَغَيْرَهَا وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نَوَازِلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ قَرَوِيًّا أَوْ مِصْرِيًّا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا عَادَةً، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ بَقَرَةٍ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَامُوسِ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ بَقَرًا حَتَّى يُعَدُّ فِي نِصَابِ الْبَقَرِ، وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْيَمِينِ بِتَعَارُفِ النَّاسِ. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالرَّأْسُ وَالْأَكَارِعُ لَحْمٌ فِي يَمِينِ الْأَكْلِ، وَلَيْسَ بِلَحْمٍ فِي يَمِينِ الشِّرَاءِ. اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ فَأَكَلَ لَحْمَ دِيكٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الدَّجَاجَ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا فَأَمَّا الدَّجَاجَةُ فَاسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالدِّيكُ اسْمٌ لِلذَّكَرِ، وَاسْمُ الْإِبِلِ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَكَذَا اسْمُ الْجَمَلِ وَالْبَعِيرِ وَالْجَزُورِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تَقَع عَلَى الْبَخَاتِيِّ وَالْعِرَابِ وَاسْمُ الْبَقَرِ يَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ كَالشَّاةِ وَالْغَنَمِ وَالنَّعْجَةُ اسْمٌ لِلْأُنْثَى وَالْكَبْشُ لِلذَّكَرِ وَالْفَرَسُ لَهُمَا كَالْبَغْلِ وَالْبَغْلَةِ وَالْحِمَارُ لِلذَّكَرِ وَالْحِمَارَةُ وَالْأَتَانُ لِلْأُنْثَى.
(قَوْلُهُ: وَبِشَحْمِ الظَّهْرِ فِي شَحْمًا) أَيْ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَحْمًا فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَحْنَثُ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَبِسَمَكٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَحْنَثُ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الشَّحْمِ فِيهِ، وَهُوَ الذَّوْبُ بِالنَّارِ، وَلَهُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ الدَّمِ وَيُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَهُ وَيَحْصُلُ بِهِ قُوَّتُهُ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ فِي الْيَمِينِ عَلَى أَكْلِ اللَّحْمِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا يَحْنَثُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لِتَصْرِيحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِقَوْلِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ مِنْ التَّحْرِيرِ مَسْأَلَةُ الْعَادَةِ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ مُخَصِّصٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ كَحُرْمَةِ الطَّعَامِ، وَعَادَتُهُمْ أَكْلُ الْبُرِّ انْصَرَفَ إلَيْهِ، وَهُوَ الْوَجْهُ أَمَّا بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ فَاتِّفَاقٌ كَالدَّابَّةِ لِلْحِمَارِ وَالدَّرَاهِمِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ يَصْلُحُ مُقَيِّدًا عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِ بَلْخَ لِمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي مَسْأَلَةِ إذَا كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُسْتَعْمَلَةً وَالْمَجَازُ مُتَعَارَفًا. اهـ.
وَهَذِهِ النُّقُولُ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِرُكُوبِ الْآدَمِيِّ فِي لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا فَإِيرَادُ الْفَرْعِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ غَيْرُ وَارِدٍ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ حَيْثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً انْصَرَفَتْ يَمِينُهُ إلَى مَا يُرْكَبُ عَادَةً فَتَدَبَّرْ