فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ تَرَكْتُ الصَّوْمَ شَهْرًا فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَهْرًا مِنْ حِينَ حَلَفَ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْأَبَدَ فَذَكَرَ الْوَقْتَ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ تَرَكْتُ كَلَامَهُ شَهْرًا، وَإِنْ لَمْ أُسَاكِنْهُ شَهْرًا، وَنَظِيرُهُ إذَا آجَرَهُ شَهْرًا، وَكَذَا آجَالُ الدُّيُونِ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي قَوْلِهِ كَفَلْتُ لَكَ بِنَفْسِكَ إلَى شَهْرٍ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهَا لِبَيَانِ ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ لِانْتِهَائِهَا فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِانْتِهَاءِ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يُلْزَمُ بِإِحْضَارِهِ بَعْدَ الشَّهْرِ، وَأَلْحَقَاهَا بِآجَالِ الدُّيُونِ فَجَعَلَاهَا لِبَيَانِ ابْتِدَائِهَا فَلَا يُلْزَمُ بِإِحْضَارِهَا قَبْلَ الشَّهْرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي مِثْلِهِ لِلتَّرْفِيَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَلَوْ قَالَ الشَّهْرَ يَقَعُ عَلَى بَقِيَّةِ الشَّهْرِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ السَّنَةَ يَقَعُ عَلَى بَقِيَّةِ السَّنَةِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاللَّيْلِ لَا يُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينَ حَلَفَ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ الْغَدِ يَدْخُلُ فِي يَمِينِهِ بَقِيَّةُ اللَّيْلِ حَتَّى لَوْ كَلَّمَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ فِي الْغَدِ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْيَوْمِ لِلْإِخْرَاجِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ بِالنَّهَارِ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً حَنِثَ بِكَلَامِهِ مِنْ حِينَ حَلَفَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَلَوْ قَالَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي حَلَفَ فِيهَا مِنْ الْغَدِ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى يَوْمٍ مُنَكَّرٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِإِتْمَامِهِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ لَيْلَةً فَالْيَمِينُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ إلَى أَنْ يَجِيءَ مِثْلُهَا مِنْ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ فَيَدْخُلُ النَّهَارُ الَّذِي بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى لَيْلَةٍ مُنَكَّرَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنْ قَالَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ فَالْيَمِينُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ سَقَطَتْ الْيَمِينُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِاللَّيْلِ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ اللَّيْلَةَ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ سَقَطَتْ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ الْيَوْمَ، وَلَا غَدًا فَالْيَمِينُ عَلَى بَقِيَّةِ الْيَوْمِ، وَعَلَى غَدٍ، وَلَا تَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي الْيَمِينِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الْوَاقِعَاتِ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْيَوْمَ وَلَا غَدًا، وَلَا بَعْدَ غَدٍ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانٌ ثَلَاثَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُكَرِّرْ حَرْفَ النَّفْيِ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَيَدْخُلُ اللَّيْلُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُكَ شَهْرًا إلَّا يَوْمًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ يَوْمٍ شَاءَ، وَلَوْ قَالَ شَهْرًا إلَّا نُقْصَانَ يَوْمٍ فَهُوَ عَلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَتَكَلَّمُ فَقَرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ سَبَّحَ لَا يَحْنَثُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا عَادَةً وَشَرْعًا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَاخْتَارَ الْقُدُورِيُّ الْحِنْثَ وَاخْتَارَ خواهر زاده عَدَمَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ اُخْتِيرَ لِلْفَتْوَى مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ عَقْدِ الْيَمِينِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ التَّفْصِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ، وَفِي الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ لَا يُسَمَّى التَّسْبِيحُ وَالْقُرْآنُ كَلَامًا حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ لِمَنْ يُسَبِّحُ طُولَ يَوْمِهِ أَوْ يَقْرَأُ لَمْ يَتَكَلَّمْ الْيَوْمَ بِكَلِمَةٍ. اهـ.
لَكِنْ فِي الْوَاقِعَاتِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّ الْيَمِينَ إذَا كَانَتْ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَحْنَثْ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ خَارِجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا. اهـ.
فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى، وَفِي التَّهْذِيبِ لِلْقَلَانِسِيِّ الْكَلَامُ فِي الْحَقِيقَةِ مَفْهُومٌ يُنَافِي الْخَرَسَ وَالسُّكُوتَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ مُحَقِّقِي أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ فِي الْعُرْفِ صَوْتٌ مَقْطُوعٌ مَفْهُومٌ يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ، وَلَا تَدْخُلُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ وَالتَّسْبِيحُ فِي الصَّلَاةِ فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا لَا تَدْخُلُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْكُتُبِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي عُرْفِنَا. اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا قَرَأَ كِتَابًا أَيَّ كِتَابٍ كَانَ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَكَلَّمْتُ كَلَامًا حَسَنًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ طَلُقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ طَلُقَتْ ثَلَاثًا كَذَا فِي
ــ
[منحة الخالق]
لَا، وَفِي بَعْضِهَا لَا يَصِحُّ بِإِثْبَاتِهَا فَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي لَا يُخَالِفُهُ رَاجِعًا إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَيُؤَيِّدُ الْأُولَى مَا فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ وَنُوقِضَ هَذَا بِمَا فِي الصُّغْرَى لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ صَحَّ الْإِذْنُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى إذَا عَلِمَ صَارَ مَأْذُونًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُكْمُ الْإِذْنِ، وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَالْإِفْتَاءُ بِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَوْلَى) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْأَوْلَوِيَّةُ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ لِمَا أَنَّ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُتَأَخِّرِ، وَلِمَا عَلِمْت مِنْ أَكْثَرِيَّةِ التَّصْحِيحِ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute