للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ وَقَعَ النِّزَاعُ فِيهَا فِي زَمَانِنَا فِي تَفْتِيشٍ وَقَعَ مِنْ نَائِبِ مِصْرَ عَلَى الرِّزْقِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ حَتَّى ادَّعَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُبَايَعَاتِ لِلْأَرَاضِيِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى إبْطَالِ الْأَوْقَافِ وَالْخَيْرَاتِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ شَخْصٌ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ أَمْرَ الْأَوْقَافِ فَطَلَبَ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى أَرَاضِي الْأَوْقَافِ خَرَاجًا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْخَرَاجَ وَاجِبٌ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ وَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ مِنْ أَنَّ الْخَرَاجَ ارْتَفَعَ عَنْ أَرَاضِي مِصْرَ إنَّمَا الْمَأْخُوذُ مِنْهَا أُجْرَةٌ فَصَارَتْ الْأَرَاضِي بِمَنْزِلَةِ دُورِ السُّكْنَى لِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَإِذَا اشْتَرَاهَا إنْسَانٌ مِنْ الْإِمَامِ بِشَرْطِهِ شِرَاءً صَحِيحًا مَلَكَهَا وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَدْ أَخَذَ الْبَدَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِذَا وَقَفَهَا سَالِمَةً مِنْ الْمُؤَنِ فَلَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فِيهَا وَتَمَامُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ الْمُسَمَّى بِالتُّحْفَةِ الْمَرَضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ) أَيْ لَوْ أَحْيَا الْمُسْلِمُ وَالْمُرَادُ بِالْقُرْبِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ بِقُرْبِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِقُرْبِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ أَخَذَ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الدَّارِ لِصَاحِبِهَا الِانْتِفَاعُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ وَلِذَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ فَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ.

قَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الشَّرْحِ وَقَدَّمْنَاهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْبَصْرَةُ عُشْرِيَّةٍ) نَصَّ عَلَيْهَا لِأَنَّ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ لَكِنْ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى تَوْظِيفِ الْعُشْرِ عَلَيْهَا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَيِّزَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَرْضِ الْمُحْيَاةِ وَالْبَصْرَةُ لَمْ تَكُنْ مُحْيَاةً وَإِنَّمَا فُتِحَتْ عَنْوَةً فَقِيَاسُ مَا مَضَى أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ كَمَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ مَكَّةُ الْمُشَرَّفَةُ فَإِنَّ الْقِيَاسَ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوَظِّفْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا الْخَرَاجَ تَعْظِيمًا لَهَا وَلِأَهْلِهَا فَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَلِكَ لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ (قَوْلُهُ وَخَرَاجُ جَرِيبٍ صَلُحَ لِلزَّارِعَةِ صَاعٌ وَدِرْهَمٌ وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ) بَيَانٌ لِلْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ حَتَّى يَمْسَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ وَجَعَلَ حُذَيْفَةَ مُشْرِفًا فَمَسَحَ فَبَلَغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ وَوَضَعَ عَلَى ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا إذَا بَاعَهَا بَعْدَمَا صَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّمَا بَاعَهَا بَعْدَمَا سَقَطَ الْخَرَاجُ عَنْهَا بِعَدَمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ لَا فِي الْخَارِجِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ إنَّ خَرَاجَ الْوَظِيفَةِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْوَاجِبُ فِيهَا شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ اهـ.

لَا يُقَالُ إنَّ الْخَرَاجَ وَظِيفَةُ الْأَرْضِ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ مَا دَامَتْ الذِّمَّةُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ فَإِذَا مَاتَ مَالِكُهَا وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا سَقَطَ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ الْوُجُوبُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ السُّلْطَانِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الِالْتِزَامِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ انْتَقَلَتْ الْأَرْضُ إلَيْهِ مِمَّنْ وَجَبَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ كَبَيْعِهِ أَوْ بَيْعِ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَوْ قَبِلَ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ الْآنَ عَلَى أَرْضِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَرَاجِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَإِنْ جَازَ بَقَاءً بِالْتِزَامِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ الْخَرَاجُ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا جَعَلَ دَارِهِ بُسْتَانًا وَسَقَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ لِمَا أَنَّ سَقْيَهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ الْتِزَامٌ مِنْهُ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الْعُشْرِ مُطْلَقًا دُونَ الْخَرَاجِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ قِيلَ بِعَوْدِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى لَمْ يَبْقَ مَوْجُودًا وَهُوَ الِالْتِزَامُ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا اهـ. مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ تِلْكَ الرِّسَالَةُ.

فَإِنْ قُلْت إنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي لِلزِّرَاعَةِ لَا تَخْلُو عَنْ مُؤْنَةٍ أَمَّا الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ وَقَدْ حَكَمْت بِسُقُوطِ الْخَرَاجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْعُشْرُ قُلْت نَعَمْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَصَرَّحُوا فِي الْأُصُولِ بِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي مَالِ الْوَقْفِ وَصَرَّحَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إذَا دَفَعَ أَرْضَ الْوَقْفِ مُزَارَعَةً جَازَ عِنْدَ الصَّالِحِينَ وَكَانَ الْعُشْرُ عَلَى أَرْبَابِ الْوَقْفِ فِيمَا كَانَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ الْأَرْبَابُ مَسَاكِينَ انْتَهَتْ وَكَذَا صَرَّحَ بِوُجُوبِ الْعُشْرِ الْخَصَّافُ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا لَمْ أَجْزِمْ بِهِ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ الْمَوْقُوفَةِ لِأَنِّي لَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وُجُوبِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَاةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ.

(قَوْلُهُ كَمَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ مَكَّةُ الْمُشَرَّفَةُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهَا شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَدْ أَطْلَقُوا أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>