للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُقْتَلَ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْهُمَامِ بَحْثٌ هُنَا خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَفَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ بِأَبْحَاثِ شَيْخِهِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمُخَالِفَةِ لِلْمَذْهَبِ نَعَمْ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ تَمِيلُ إلَى قَوْلِ الْمُخَالِفِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبِّ لَكِنَّ اتِّبَاعَنَا لِلْمَذْهَبِ وَاجِبٌ وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَيُؤَدَّبُ الذِّمِّيُّ وَيُعَاقَبُ عَلَى سَبِّهِ دِينَ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّبِيَّ أَوْ الْقُرْآنَ اهـ.

(قَوْلُهُ بَلْ بِاللَّحَاقِ ثَمَّةَ أَوْ بِالْغَلَبَةِ عَلَى مَوْضِعٍ لِلْحِرَابِ) أَيْ بَلْ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ بِاللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ جَعَلَ نَفْسَهُ طَلِيعَةً لِلْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ مَعْنًى فَحِينَئِذٍ هِيَ ثَلَاثٌ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ هُنَا الذِّمِّيُّ إذَا وَقَفَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ بِعُيُوبِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلَهُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ كَتَبَ إلَى مَكَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ حَرْبَكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ وَجَعَلَ الْكِتَابَ فِي قَرْنِ امْرَأَةٍ لِتَذْهَبَ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: ١] فَبَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَهُ وَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لِحَاطِبٍ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا فَقَالَ إنَّ لِي عِيَالَاتٍ وَقَرَابَاتٍ بِمَكَّةَ فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَهُمْ عَهْدٌ وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاصِرُك وَمُمَكِّنُك وَلَا يَضُرُّك مَا صَنَعْتُ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ائْذَنْ لِي حَتَّى أَضْرِبَ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْلًا يَا عُمَرُ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنِّي غَفَرْت لَكُمْ» لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ الذِّمِّيُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَيُحْبَسُ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا اهـ.

إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الطَّلِيعَةِ وَبَيْنَ مَا فِي الْمُحِيطِ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ الطَّلِيعَةُ وَاحِدَةُ الطَّلَائِعِ فِي الْحَرْبِ وَهُمْ الَّذِينَ يُبْعَثُونَ لِيَطَّلِعُوا عَلَى أَخْبَارِ الْعَدُوِّ وَيَتَعَرَّفُونَهَا قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَقَدْ يُسَمَّى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ فِي ذَلِكَ طَلِيعَةً وَالْجَمِيعُ أَيْضًا إذَا كَانُوا مَعًا وَفِي كَلَامِ مُحَمَّدٍ الطَّلِيعَةُ الثَّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَهِيَ فَوْقَ السَّرِيَّةِ اهـ.

فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا فِي الْفَتْحِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا بَعَثُوهُ لِذَلِكَ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْمُحِيطِ بِوَاقِعَةِ حَاطِبٍ بَعِيدٌ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الذِّمِّيِّ وَحَاطِبٌ كَانَ مُؤْمِنًا وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الممتحنة: ١] إلَخْ وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: ١] وَلِذَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقْت وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَهْدَ لَا يُنْقَضُ بِالْقَوْلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَقْدُ الذِّمَّةِ يُنْتَقَضُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ الِالْتِحَاقُ وَلَا يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ وَأَمَانُ الْحَرْبِيِّ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَصَارُوا كَالْمُرْتَدِّينَ) أَيْ صَارَ أَهْلُ الذِّمَّةِ بِالِالْتِحَاقِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ كَالْمُرْتَدِّينَ فِي قَتْلِهِمْ وَدَفْعِ مَا لَهُمْ لِوَرَثَتِهِمْ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْأَمْوَاتِ لِتَبَايُنِ الدَّارِ قَيَّدْنَا التَّشْبِيهَ فِي الشِّينِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الذِّمِّيَّ بَعْدَ الِالْتِحَاقِ يُسْتَرَقُّ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ الذِّمَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى كَمَا فِي الْمُحِيطِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ حَيْثُ لَا يُسْتَرَقُّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كُفْرَ الْمُرْتَدِّ أَغْلَظُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُسْتَرَقُّ بَعْدَ اللَّحَاقِ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَقَبْلَهُ فِي رِوَايَةٍ وَأَفَادَ بِالتَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي أُلْحِقَ بِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيْءٌ كَالْمُرْتَدِّ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِمَا أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ

ــ

[منحة الخالق]

وَاسْتَعْلَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ صَارَ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِمْ فَمَا بَحَثَهُ فِي الْفَتْحِ فِي النَّقْضِ مُسَلَّمٌ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا مَا بَحَثَهُ فِي الْقَتْلِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ اهـ.

قُلْت وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْعَيْنِيِّ وَالْفَتْحِ مَا نَصُّهُ وَهُوَ مِمَّا يَمِيلُ إلَيْهِ كُلُّ مُسْلِمٍ وَالْمُتُونُ وَالشُّرُوحُ خِلَافُ ذَلِكَ أَقُولُ: وَلَنَا أَنْ نُؤَدِّبَ الذِّمِّيَّ تَعْزِيرًا شَدِيدًا بِحَيْثُ لَوْ مَاتَ كَانَ دَمُهُ هَدَّارٌ كَمَا عُرِفَ أَنَّ مَنْ مَاتَ فِي تَعْزِيرٍ أَوْ حَدٍّ لَا شَيْءَ فِيهِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ الْهُمَامِ بَحْثٌ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ سَبَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ نِسْبَتَهُ مَا لَا يَنْبَغِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُونَهُ كَنِسْبَةِ الْوَلَدِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ أَظْهَرَهُ يُقْتَلُ بِهِ وَيُنْتَقَضُ عَهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَلَكِنْ عُثِرَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُمُهُ فَلَا وَتَمَامُهُ فِيهِ قُلْت وَفِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ عَنْ الذَّخِيرَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا ذَكَرَهُ بِسُوءٍ يَعْتَقِدُهُ وَيَتَدَيَّنُ بِهِ بِأَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ أَوْ قَتَلَ الْيَهُودَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ نَسَبَهُ إلَى الْكَذِبِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ أَمَّا إذَا ذَكَرَهُ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَمَا لَوْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا أَوْ طَعَنَ فِي نَسَبِهِ يُنْتَقَضُ اهـ (قَوْلُهُ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) قُلْت يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِدْلَالَ بِمَفْهُومِ الدَّلَالَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْمُسْلِمُ إلَخْ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>