للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ بِالضَّمَانِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ لِلْوَقْفِ لَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ. اهـ.

فَإِنْ قُلْتُ: قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ وَاحْتَاجَ إلَى الْوَقْفِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَفْسَخَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ وَقَفَ مَحْدُودًا ثُمَّ بَاعَهُ وَكَتَبَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ فِي صَكِّ الْبَيْعِ وَكَتَبَ فِي الصَّكِّ بَاعَ فُلَانٌ مَنْزِلَ كَذَا أَوْ كَانَ كَتَبَ وَأَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَنَقْضِ الْوَقْفِ وَلَوْ كَتَبَ بَاعَ بَيْعًا جَائِزًا صَحِيحًا كَانَ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الْوَقْفِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ وَأَجَازَ بَيْعَ وَقْفٍ غَيْرِ مُسَجَّلٍ إنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَإِنْ أَطْلَقَهُ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْوَقْفِ أَمَّا إذَا بِيعَ الْوَقْفُ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ قَاضٍ كَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ وَقْفٌ قَدِيمٌ لَا يُعْرَفُ صِحَّتُهُ وَلَا فَسَادُهُ بَاعَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِضَرُورَةٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ يَنْفُذُ إذَا كَانَ وَارِثَ الْوَاقِفِ ثُمَّ رَقَمَ: بَاعَهُ الْوَارِثُ لِضَرُورَةٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَلَا يُفْتَحُ هَذَا الْبَابُ. اهـ.

قُلْتُ: إنَّهُ فِي وَقْفٍ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا أَيْ مَحْكُومًا بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ الْحَمْلِ أَيْضًا فَهُوَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَرْجُوحِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الرَّاجِحُ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِلُزُومِهِ لَا لِلْوَارِثِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ فَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فَهُوَ مَعْزُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِبَيْعِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِوَقْفِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مُجْتَهِدٌ أَوْ سَهْوٌ مِنْهُ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ وَلَوْ خَرِبَ وَأَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

عَلَيْهَا بَعْدَ تَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ قُلْتُ: إنَّهُ فِي وَقْفٍ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ بَيْعَهُ اسْتِبْدَالٌ لَا فَسْخٌ وَالِاسْتِبْدَالُ لَيْسَ فِيهِ فَسْخُ الْقَضَاءِ السَّابِقِ حَتَّى يَمْتَنِعُ فَإِذَا رَآهُ حَاكِمٌ وَقَضَى بِهِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ شَرَائِطِهِ فَهُوَ قَضَاءٌ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَالْقَضَاءُ فِي مِثْلِهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ يَظْهَرْ لَك الْحَقُّ وَفَرِّقْ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِبْطَالِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالِاسْتِبْدَالِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ إلَخْ) أَقُولُ: قَدْ وَافَقَ الْمُؤَلِّفُ فِي فَتَاوَاهُ مَا أَفْتَى بِهِ سِرَاجُ الدِّينِ فَأَفْتَى بِالْجَوَازِ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا أَفْتَى سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ شَاهِدٌ لِصِحَّةِ مَا أَفْتَيْتُ بِهِ أَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ بَاعَ الْوَقْفَ غَيْرَ الْمُسَجَّلِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ حَاكِمٌ نَفَذَ الْبَيْعُ وَإِنْ صَحَّحَ الْمَشَايِخُ قَوْلَهُمَا فِي الْوَقْفِ لِوُقُوعِ الْقَضَاءِ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْبَزَّازِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَلْيُرَاجَعْ اهـ.

وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ نَصُّهَا وَذَكَرَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - افْتَقَرَ الْوَاقِفُ وَاحْتَاجَ إلَى الْوَقْفِ يَرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَفْسَخَ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِهِمَا فَيَصِحُّ أَيْضًا لِوُقُوعِهِ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ. اهـ.

وَعَلَى هَذَا مَشَى تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ وَقَالَ بِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَمَنْ تَبِعَهُ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ تَصْحِيحِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُفْتِي بِقَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِقَوْلِ زُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَلَا يَتَخَيَّرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُصَحَّحٌ أَيْضًا فَقَدْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى غَيْرِهِ اهـ.

وَعَزَا مِثْلَهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ إلَى الْمَوْلَى أَبِي السُّعُودِ مُفْتِي الرُّومِ قُلْتُ: وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ بِخِلَافِ فَتْوَاهُ الْأُولَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَهَا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَاتٍ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ ثُمَّ رَجَعَ وَوَقَفَ عَلَى جِهَاتٍ غَيْرِ الْأُوَلِ وَحَكَمَ بِهَذَا حَنَفِيٌّ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا أَجَابَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ إنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْحُكْمِ أَوْ تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا عَلَّقَهُ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِحُّ الثَّانِي لَكِنَّ الْفَتْوَى فِي الْوَقْفِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلُزُومِهِ شَيْءٌ مِمَّا شَرَطَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَعَلَى هَذَا: الْوَقْفُ هُوَ الْأَوَّلُ وَمَا فَعَلَهُ ثَانِيًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْجِهَاتِ وَالْمَصَارِفِ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ. اهـ.

وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مَا نَصُّهُ وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ شَيْئًا مُعَيَّنًا مِنْ مَالِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَتَّصِلْ بِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَفَ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى غَيَّرَ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْوَقْفِ الثَّانِي وَلُزُومِهِ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ فِي وَجْهِ الْوَاقِفِ فِي سَاعَةِ الْوَقْفِ وَلَمْ يَتَّصِلْ الْوَقْفُ الْأَوَّلُ بِحَاكِمٍ أَصْلًا ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ وَاتِّصَالِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ حَكَمَ حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْوَقْفِ الثَّانِي وَالْحُكْمِ بِهِ فَأَيُّ الْوَقْفَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَقْفُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا بِلُزُومِ الْوَقْفِ وَحَيْثُ كَانَ لَازِمًا لَا يَصِحُّ تَغْيِيرُهُ بِلَا شَرْطٍ مِنْهُ وَلَا يَضُرُّ فِي لُزُومِهِ عَدَمُ اتِّصَالِهِ بِحَاكِمِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَمْنُوعٌ شَرْعًا مِنْ الْحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>