للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْتَضِيَ تَقْدِيمُهُمَا عِنْدَ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ رِيعُ الْوَقْفِ قَسَمَ الرِّيعَ عَلَيْهِمْ بِالْحِصَّةِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يُعْتَبَرُ وَلَكِنْ تَقْدِيمُ الْمُدَرِّسِ إنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ مُلَازَمَتِهِ لِلْمَدْرَسَةِ لِلتَّدْرِيسِ الْأَيَّامَ الْمَشْرُوطَةَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَلِذَا قَالَ لِلْمَدْرَسَةِ لِأَنَّ مُدَرِّسَهَا إذَا غَابَ تَعَطَّلَتْ بِخِلَافِ مُدَرِّسِ الْجَامِعِ وَفِي الْقُنْيَةِ يُدَرِّسُ بَعْضَ النَّهَارِ فِي مَدْرَسَةٍ وَبَعْضَ النَّهَارِ فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى وَلَا يَعْلَمُ شَرْطَ الْوَاقِفِ يَسْتَحِقُّ

ــ

[منحة الخالق]

شَعَائِرِهِ لَيْسَ كَانْتِظَامِهِ بِبَقَاءِ عَيْنِهِ لِيُقَاسَ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ فِي تَوْجِيهِ تَقْدِيمِ الْعِمَارَةِ عَلَى غَيْرِهَا وَإِنْ شَرَطَ تَأْخِيرَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِأَنَّا لَوْ اعْتَبَرْنَا شَرْطَهُ أَدَّى ذَلِكَ إلَى اضْمِحْلَالِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَصَدَ مِنْ الْوَقْفِ بِالْإِبْطَالِ فَقِيَاسُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِوَاءَ عِنْدَ الضِّيقِ عَلَى حُكْمِ الْعِمَارَةِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ ظُهُورُهُ كَالشَّمْسِ وَبَعْدَهُ كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمْسِ هَذَا وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدْ اخْتَصَرَ عِبَارَةَ الْحَاوِي وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى مَا ادَّعَاهُ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهِ يُنَافِي مَا ادَّعَاهُ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَتِمَّةُ عِبَارَةِ الْحَاوِي هُوَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَنْهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ مُعَيَّنًا عَلَى شَيْءٍ يُصْرَفُ إلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ عِمَارَةِ الْبِنَاءِ اهـ.

كَلَامُ الْحَاوِي وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ التَّتِمَّةِ أَنَّهَا قَيْدٌ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيُفِيدُ كَلَامُ الْحَاوِي أَنَّ تَقْدِيمَ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ أَمَّا إذَا عَيَّنَ لِكُلٍّ قَدْرًا مُعَيَّنًا فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْحَاوِي دَلِيلًا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى هَذَا حَاصِلُ مَا أَفَادَهُ الْمُتَوَقِّفُ فِي كَلَامِهِ أَحْيَا اللَّهُ تَعَالَى مَذْهَبَ إمَامِهِ هَذَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ التَّوَقُّفِ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَالَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِي تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَيْسَ هُوَ كَوْنَهُمْ كَالْعِمَارَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثِيَّةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي عُمُومِ النَّفْعِ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ فَلَمَّا اشْتَرَكَا فِي عُمُومِ النَّفْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَيْرِ اشْتَرَكَا فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الْغَيْرِ وَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِوَاءٍ أَوْ تَقْدِيمٍ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَجَدْتَهُ شَاهِدًا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى وَيُجَابُ عَنْ التَّوَقُّفِ الثَّانِي بِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ الْوَاقِعَ تَتِمَّةَ كَلَامِ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا إلَى آخِرِهِ لَيْسَ رَاجِعًا لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ لِيَكُونَ قَيْدًا لَهَا وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ لِأَقْرَبِ مَذْكُورٍ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ تُصْرَفُ إلَيْهِمْ قَدْرُ كِفَايَتِهِمْ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَنَّ مَحَلَّ تَفْوِيضِ أَمْرِ الصَّرْفِ إلَى الْمُتَوَلِّي إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَإِنَّهُ يُتَّبَعُ شَرْطُهُ وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ هَذَا الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ فِي كِتَابِهِ قُنْيَةٌ الْفَتَاوَى حَيْثُ قَالَ فِي بَابٍ يَحِلُّ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَلِّمِ وَالْإِمَامِ مَا نَصُّهُ الْأَوْقَافُ بِبُخَارَى عَلَى الْعُلَمَاءِ لَا يُعْرَفُ مِنْ الْوَاقِفِ غَيْرُ هَذَا فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ يُحْصَوْنَ وَكَذَا الْوَقْفُ عَلَى الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ عَلَى مُتَعَلِّمِيهَا أَوْ عَلَى عُلَمَائِهَا يَجُوزُ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُفَضِّلَ الْبَعْضَ وَيَحْرِمَ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ. اهـ.

فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وَهِيَ قَوْلُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْوَاقِفُ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ هَذَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فِي وَجْهِ تَقْدِيمِ أَرْبَابِ الشَّعَائِرِ عَلَى غَيْرِهِمْ إنَّمَا هُوَ عُمُومُ النَّفْعِ الْحَاصِلُ مِنْ انْتِظَامِ مَصَالِحِ الْمَسَاجِدِ بِإِقَامَةِ شَعَائِرِهَا وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا عَيَّنَ الْوَاقِفُ قَدْرًا مُعَيَّنًا لِكُلٍّ وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ بِخِلَافِ تَفْوِيضِ أَمْرِ الصَّرْفِ لِلْمُتَوَلِّي فَإِنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ يَخْتَلِفُ فِيهِ بَيْنَمَا إذَا عَيَّنَ لِكُلٍّ قَدْرًا مُعَيَّنًا وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ هَذَا مَا ظَهَرَ قَالَ ذَلِكَ وَكَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ الْوَاقِفُ بِاللُّطْفِ الْخَفِيِّ قَاسِمُ الدَّنَوْشَرِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي غُرَّةِ مُحَرَّمٍ الْحَرَامِ افْتِتَاحِ سَنَةِ (١١٣٩) هـ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ آمِينَ كَذَا فِي فَتَاوَى مَوْلَانَا الْعَلَّامَةِ حَامِدٍ أَفَنْدِي الْعِمَادِيِّ مُفْتِي دِمَشْقَ الشَّامِ عَفَا عَنْهُ الْمَلِكُ السَّلَامُ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ تَقْدِيمُ الْمُدَرِّسِ إنَّمَا يَكُونُ بِشَرْطِ مُلَازَمَتِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ أَنْكَرَ النَّاظِرُ مُلَازَمَتَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَرِّسِ مَعَ يَمِينِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ وَاخْتَلَفَ مَعَ وَرَثَتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ مَعَ يَمِينِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الْحَلَبِيِّ بِذَلِكَ فِي وَظِيفَةِ الْقِرَاءَةِ بِمَا حَاصِلُهُ لَوْ شَرَطَ الْقِرَاءَةَ فِي مُصْحَفٍ بِجَامِعٍ مُعَيَّنٍ وَتُوُفِّيَ الْقَارِئُ وَالْوَاقِفُ وَأَنْكَرَ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْوَقْفِ الْقِرَاءَةَ الْمَذْكُورَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَ مُوَرِّثِهِمْ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ اهـ.

وَأَقُولُ: وَكَذَا كُلُّ ذِي وَظِيفَةٍ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى فِي مُدَرِّسٍ مَاتَ وَطَلَبَ النَّاظِرُ مِنْ وَرَثَتِهِ الْمَعْلُومَ الْمَشْرُوطَ الَّذِي قَبَضَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِيَرُدَّهُ لِلْوَقْفِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُدَرِّسْ فَأَفْتَيْتُ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُمْ مَعَ الْيَمِينِ فِي الْمُبَاشَرَةِ اهـ.

وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ كَاتِبِ الْغَيْبَةِ وَسَيَأْتِي تَوَقُّفُ الْمُؤَلِّفِ فِيهِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مُدَرِّسِ الْجَامِعِ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَشْهَدُ لِمَا ادَّعَى مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَدْرَسَةِ وَالْجَامِعِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْجَامِعَ الَّذِي شُرِطَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>