للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَكُونُ هُنَاكَ رِيعٌ لِلْوَقْفِ يُعَمَّرُ بِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَشَرَطَ فِي الْإِسْعَافِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْدِلُ قَاضِيَ الْجَنَّةِ الْمُفَسَّرِ بِذِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ كَيْ لَا يَحْصُلَ التَّطَرُّقُ إلَى إبْطَالِ أَوْقَافِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي زَمَانِنَا. اهـ.

وَيَجِبُ أَنْ يُزَادَ آخَرُ فِي زَمَانِنَا وَهُوَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعَقَارٍ لَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِنَّا قَدْ شَاهَدْنَا النُّظَّارَ يَأْكُلُونَهَا وَقَلَّ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا بَدَلٌ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْقُضَاةِ يُفَتِّشُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِي زَمَانِنَا مَعَ أَنِّي نَبَّهْتُ بَعْضَ الْقُضَاةِ عَلَى ذَلِكَ وَهَمَّ بِالتَّفْتِيشِ ثُمَّ تَرَكَ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ زِدْتَ هَذَا الشَّرْطَ وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ عَنْ قَاضِي خَانْ يَرُدُّهُ قُلْتُ لِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ اسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ مَا صُورَتُهُ وَهَلْ هُوَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَجَابَ الِاسْتِبْدَالُ إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَثَمَّ مَنْ يَرْغَبُ فِيهِ وَيُعْطِي بَدَلَهُ أَرْضًا أَوْ دَارًا لَهَا رِيعٌ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَالِاسْتِبْدَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ وَلَكِنْ يَرْغَبُ شَخْصٌ فِي اسْتِبْدَالِهِ إنْ أَعْطَى مَكَانَهُ بَدَلًا أَكْثَرَ رِيعًا مِنْهُ فِي صُقْعٍ أَحْسَنَ مِنْ صُقْعِ الْوَقْفِ جَازَ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ اهـ.

فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ فَدَلَّ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَفِي الْقُنْيَةِ مُبَادَلَةُ دَارِ الْوَقْفِ بِدَارٍ أُخْرَى إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَتَا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تَكُونُ الْمَحَلَّةُ مَمْلُوكَةً خَيْرًا مِنْ الْمَحَلَّةِ الْمَوْقُوفَةِ وَعَلَى عَكْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَمْلُوكَةُ أَكْثَرَ مِسَاحَةً وَقِيمَةً وَأُجْرَةً لِاحْتِمَالِ خَرَابِهَا فِي أَدْوَنِ الْمَحَلَّتَيْنِ لِدَنَاءَتِهَا وَقِلَّةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهَا اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْتَبْدِلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ.

وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْتَبْدِلَ أَوْ يَكُونَ النَّاظِرُ مَعْزُولًا قَبْلَ الِاسْتِبْدَالِ أَوْ إذَا هَمَّ بِالِاسْتِبْدَالِ انْعَزَلَ هَلْ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهُ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ إنَّهُ لَا نَقْلَ فِيهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَبْدِلَ إذَا رَأَى

الْمَصْلَحَةَ

فِي الِاسْتِبْدَالِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَكُونَ لِلْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ كَلَامٌ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَلِلْقَاضِي الْكَلَامُ لِأَنَّ نَظَرَهُ أَعْلَى وَهَذَا شَرْطٌ فِيهِ تَفْوِيتُ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَتَعْطِيلٌ لِلْوَقْفِ فَيَكُونُ شَرْطًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْوَقْفِ وَلَا مَصْلَحَةَ فَلَا يُقْبَلُ. اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا فَرْعٌ مُهِمٌّ وَقَعَ السُّؤَالُ بِالْقَاهِرَةِ بَعْدَ سَنَةِ سَبْعِينَ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا جَعَلَ لِنَفْسِهِ التَّبْدِيلَ وَالتَّغْيِيرَ وَالْإِخْرَاجَ وَالْإِدْخَالَ وَالزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ثُمَّ فَسَّرَ التَّبْدِيلَ بِاسْتِبْدَالِ الْوَقْفِ هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا

ــ

[منحة الخالق]

بِالْحَرِيقِ وَانْهِدَامِ الْبِنَاءِ وَاحْتِيَاجِهَا إلَى التَّرْمِيمِ وَالتَّعْمِيرِ فِي الْبَقَاءِ بِخِلَافِ الْأَرَاضِيِ الْمَزْرُوعَةِ فَإِنَّهَا أَدْوَمُ وَأَبْقَى وَأَغْنَى عَنْ الْكُلْفَةِ وَالْخَرَاجُ عَلَيْهَا اهـ.

قُلْتُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَةَ لِلِاسْتِغْلَالِ مُرَادُ الْوَاقِفِ مِنْهَا انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِغَلَّتِهَا وَإِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ لِلْقَاضِي لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا مِنْ جِنْسِ الْأُولَى فَيَكُونُ نَظِيرَ مَا لَوْ شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ وَأَطْلَقَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بِثَمَنٍ يَسْتَبْدِلُهَا بِجِنْسِ الْعَقَارِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فِي أَيِّ بَلَدٍ شَاءَ أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ لِلسَّكَنِ إذَا جَازَ لِلْقَاضِي اسْتِبْدَالُهَا يَكُونُ نَظِيرَ مَا لَوْ شَرَطَ اسْتِبْدَالَ الدَّارِ بِدَارٍ لِظُهُورِ أَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ الْمَنْفَعَةُ بِالسُّكْنَى فَيَظْهَرُ اشْتِرَاطُ كَوْنِ مَا اسْتَبْدَلَهُ الْقَاضِي مِمَّا فِيهِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةُ الْمُرَادَةُ لِلْوَاقِفِ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ اشْتِرَاطُ شَرْطٍ آخَرَ وَهُوَ اتِّحَادُ الْمَحَلَّةِ أَوْ كَوْنُ الثَّانِيَةِ أَحْسَنَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِمَّا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ قَرِيبًا عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ بِرَدِّهِ إلَى قَوْلِهِ. اهـ.)

قَالَ الرَّمْلِيُّ كَيْفَ يُخَالِفُ قَاضِي خَانْ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْجَوَازِ بِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلِاسْتِبْدَالِ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مُدَّعَاكَ أَصْلًا وَالْمَنْقُولُ السَّابِقُ عَنْ قَاضِي خَانْ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهِلَالٌ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالنَّقْدِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ. اهـ.

قُلْتُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يُنْكِرْ مُخَالَفَتَهُ لِقَاضِي خَانْ وَإِنَّمَا مَنَعَ الِاسْتِبْدَالَ بِالدَّرَاهِمِ فِي زَمَانِهِ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قَاضِي خَانْ وَمَنْ قَبْلَهُ لَوْ عَلِمُوا بِمَا حَدَثَ مِنْ أَكْلِ مَالِ الْبَدَلِ لَمَنَعُوهُ أَشَدَّ الْمَنْعِ (قَوْلُهُ فَقَدْ عَيَّنَ الْعَقَارَ لِلْبَدَلِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى التَّمْثِيلِ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ قَاضِي خَانْ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا كَثُرَ إيرَادُهُ وَنَقَلَهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ عَنْ نَوَادِرِ هِشَامٍ الْوَقْفُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمَسَاكِينُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ آخَرَ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا لِلْقَاضِي. اهـ.

فَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ ضَاعَ الثَّمَنُ مِنْ الْمُسْتَبْدِلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ قَالَ فِي النَّهْرِ وَرَأَيْتُ بَعْضَ الْمَوَالِي يَمِيلُ إلَى هَذَا أَيْ تَعْيِينِ الْعَقَارِ لِلْبَدَلِ وَيَعْتَمِدُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُسْتَبْدِلَ إذَا كَانَ هُوَ قَاضِي الْجَنَّةِ فَالنَّفْسُ بِهِ مُطْمَئِنَّةٌ وَلَا يُخْشَى الضَّيَاعُ مَعَهُ وَلَوْ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْمَسْأَلَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِنَا إجَابَةِ السَّائِلِ بِاخْتِصَارِ أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَعَلَيْكَ بِهِ مُسْتَغْفِرًا لِمُؤَلِّفِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَهَذَا شَرْطٌ إلَى قَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>