حَتَّى يَصْطَلِحَا وَإِنْ أَخْرَجَهُمْ جَمِيعًا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ السَّنَةِ صَحَّ وَكَانَتْ لِلْفُقَرَاءِ وَبَعْدَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْغَلَّةِ مُطْلَقًا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسًا لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْبَعْضِ وَيَصِحُّ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْإِيثَارُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ وَمَا يَبْدُو لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَتَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ اهـ.
وَقَدْ وَقَعَتْ حَوَادِثُ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى آخِرِهِ مِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَدْخَلَ إنْسَانًا أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْ إخْرَاجِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ هَلْ يَخْرُجُ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ ذَلِكَ أَسْقَطْتُ حَقِّي مِنْهُ هَلْ يَسْقُطُ وَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ الْإِدْخَالَ إلَى آخِرِهِ كُلَّمَا بَدَا لَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِمَنْ شَاءَ فَشَرَطَهُ لِغَيْرِهِ وَشَرَطَ لَهُ مَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ فَشَرَطَهُ الْمَشْرُوطُ لَهُ لِآخَرَ فَأَرَادَ مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ جُعِلَ هَذَا الشَّرْطُ لَهُ وَأَرَادَ الْمَجْعُولُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْجَاعِلَ فَهَلْ هُوَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ ذَلِكَ إذَا جَعَلَهُ لِغَيْرِهِ هَلْ يَبْطُلُ مَا كَانَ لَهُ أَوْ يَبْقَى لَهُ وَلِمَنْ جَعَلَهُ لَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَهُ وَلِفُلَانٍ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ نَقْلًا صَرِيحًا فِيهَا وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشُّرْبِ أَنَّ الْحَقَّ يَقْبَلُ الْإِسْقَاطَ أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقَّ الْمَسِيلِ الْمُجَرَّدِ وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى وَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَحَقَّ الْوَارِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ وَصَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ لَوْ قَالَ وَارِثٌ تَرَكْتُ حَقِّي لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ إذْ الْمِلْكُ لَا يَبْطُلُ بِالتَّرْكِ وَالْحَقُّ يَبْطُلُ بِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْغَانِمِينَ قَالَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ تَرَكْتُ حَقِّي بَطَلَ حَقُّهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تَرَكْتُ حَقِّي فِي حَبْسِ الرَّهْنِ يَبْطُلُ اهـ.
فَقَوْلُهُ وَالْحَقُّ يَبْطُلُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قُلْتَ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.
قُلْتُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ أَسْقَطَهُ وَأَمَّا مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشَّهَادَاتِ فَالْحَقُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ وَقْفٌ مُطْلَقٌ عَلَى فُقَرَاءِ الْمَدْرَسَةِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ لَا يَصِحُّ إبْطَالُهُ وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ وَمِثْلُهُ فِي الْهِبَةِ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ الْوَاهِبُ أَسْقَطْتُ حَقِّي فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لَا يَسْقُطُ اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ إذَا قَالَ مَنْ لَهُ الشَّرْطُ لَا حَقَّ لِي فِيهَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ وَلَا دَعْوَى فَهَلْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ مَعَ شَرْطِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُقِرًّا بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِإِقْرَارِهِ وَلِذَا قَالَ الْخَصَّافُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى زَيْدٍ عُمِلَ بِإِقْرَارِهِ مَا دَامَ حَيًّا حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَنْ اخْتِصَاصِهِ وَأَشْرَكَ مَعَهُ زَيْدًا إلَى آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا سُئِلْتُ فِيمَنْ لَهُ الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ كُلَّمَا بَدَا لَهُ فَأَدْخَلَ إنْسَانًا فَمَا الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ جَوَازِ إخْرَاجِهِ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ بِمَا فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ بَعْدَهُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَسْأَلَةَ شَرْطِ الْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ إلَى آخِرِهِ عَلَى وِزَانِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِبْدَالِ أَنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ الِانْفِرَادُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا شَرَطَ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ وَلِفُلَانٍ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَاقِفَ هُوَ الَّذِي شَرَطَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَمَا شَرَطَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ لِنَفْسِهِ. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ لَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَهُ لِأَنَّ الْوَاقِفَ يَصِحُّ انْفِرَادُهُ فَكَانَ كَالْعَدَمِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِجَوَازِ عَزْلِ الْمُتَوَلِّي بِلَا شَرْطٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَالْوَاقِفُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ وَحْدَهُ وَكَذَا الْإِدْخَالُ وَالْإِخْرَاجُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَعْنِي اشْتِرَاطَ الْوِلَايَةِ لِلْوَاقِفِ فَالْمَذْكُورُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ هِلَالٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ أَقْوَامٌ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ كَانَتْ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الشُّرْبِ إلَخْ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ الرَّابِعَةِ وَبَقِيَ التَّوَقُّفُ فِي الثَّالِثَةِ.
وَلِذَا قَالَ بَعْدَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الثَّالِثَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ تَرَكْت حَقِّي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ كَلَامٍ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي وَظِيفَةٍ تَقَرَّرَ فِيهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ لِمُعَيَّنٍ أَسْقَطَهُ) .
ظَاهِرُ هَذَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ يَسْقُطُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِحَ لَهُ رِسَالَةٌ صَرَّحَ فِيهَا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ فُقَرَاءِ الْمَدْرَسَةِ وَبَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ فَتَدَبَّرْ وَكَذَا الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ فِي فَتْوَاهُ مَشَى