للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآخَرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بَانِيهِ وَلَا وَارِثُهُ وَإِنْ عَلِمَ يَصْرِفُهَا هُوَ بِنَفْسِهِ قُلْتُ: إنْ شَاءَ وَلَوْ خَرِبَ الْحَوْضُ الْعَامُّ فَكَبَسَهُ إنْسَانٌ وَبَنَى عَلَيْهِ حَوَانِيتَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ وَيَصْرِفَهُ إلَى حَوْضٍ آخَرَ مِنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ بَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَقْبَرَةً لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ حَاكِمٌ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ حَقُّ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ وَيَسْكُنَ فِي الْخَانِ وَيَنْزِلَ فِي الرِّبَاطِ وَيَشْرَبَ مِنْ السِّقَايَةِ وَيُدْفَنَ فِي الْمَقْبَرَةِ فَيُشْتَرَطُ حُكْمُ الْحَاكِمِ أَوْ الْإِضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقُّ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَخَلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْقَوْلِ كَمَا هُوَ أَصْلُهُ إذْ التَّسْلِيمُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْوَقْفُ لَازِمٌ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَنَأْخُذُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا اسْتَقَى النَّاسُ مِنْ السِّقَايَةِ وَسَكَنُوا الْخَانَ وَالرِّبَاطَ وَدُفِنُوا فِي الْمَقْبَرَةِ زَالَ الْمِلْكُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عِنْدَهُ شَرْطٌ وَالشَّرْطُ تَسْلِيمُ نَوْعِهِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيُكْتَفَى بِالْوَاحِدِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِ الْجِنْسِ كُلِّهِ وَعَلَى هَذَا الْبِئْرُ وَالْحَوْضُ وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي صَحَّ التَّسْلِيمُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَفِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِ الْمَنُوبِ عَنْهُ وَأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيمَا إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُتَوَلِّي وَالْمَقْبَرَةُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا قِيلَ لِأَنَّهُ لَا مُتَوَلِّيَ لَهُ عُرْفًا.

وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السِّقَايَةِ وَالْخَانِ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَى الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَوْ نَصَبَ الْمُتَوَلِّي يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلَوْ جَعَلَ دَارًا لَهُ بِمَكَّةَ سُكْنَى لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَالْمُعْتَمِرِينَ أَوْ جَعَلَ دَارِهِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ سُكْنَى لِلْمَسَاكِينِ أَوْ جَعَلَهَا فِي ثَغْرٍ مِنْ الثُّغُورِ سُكْنَى لِلْغُزَاةِ وَالْمُرَابِطِينَ أَوْ جَعَلَ غَلَّةَ أَرْضِهِ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَفَعَ ذَلِكَ إلَى وَالٍ يَقُومُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا رُجُوعَ فِيهَا لِمَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّ فِي الْغَلَّةِ تَحِلُّ لِلْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَفِيمَا سِوَاهُ مِنْ سُكْنَى الْخَانِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالسِّقَايَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَارِقُ هُوَ الْعُرْفُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِي الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَفِي غَيْرِهَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ فِي النُّزُولِ وَالشُّرْبِ وَالْغَنِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِ هَذِهِ الْغَلَّةِ لِغِنَاهُ.

كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ اقْتِصَارَ الْمُصَنِّفِ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحُكْمِ وَهِيَ وَصِيَّةٌ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا فِي حَيَاتِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي الْمَقْبَرَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ الدَّفْنِ بِهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ رَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يَرْجِعُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ وَيَرْجِعُ فِيمَا سِوَاهُ ثُمَّ إذَا رَجَعَ فِي الْمَقْبَرَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا يَنْبُشُهَا لِأَنَّ النَّبْشَ حَرَامٌ وَلَكِنْ يُسَوِّي وَيَزْرَعُ وَهَذَا عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَالْفَتْوَى فِي ذَلِكَ كُلِّهِ خِلَافُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلتَّعَامُلِ الْمُتَوَارَثِ هَذَا وَتُفَارِقُ الْمَقْبَرَةُ غَيْرَهَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَشْجَارٌ وَقْتَ الْوَقْفِ كَانَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقْطَعُوهَا لِأَنَّ مَوْضِعَهَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهُ مَشْغُولٌ بِهَا كَمَا لَوْ جَعَلَ دَارِهِ مَقْبَرَةً لَا يَدْخُلُ مَوْضِعُ الْبِنَاءِ فِي الْوَقْفِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَقْبَرَةِ فَإِنَّ الْأَشْجَارَ وَالْبِنَاءَ إذَا كَانَتْ فِي عَقَارٍ وَقَفَهُ دَخَلَتْ فِي الْوَقْفِ تَبَعًا وَلَوْ نَبَتَتْ فِيهَا بَعْدَ الْوَقْفِ إنْ عَلِمَ غَارِسُهَا كَانَتْ لِلْغَارِسِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرَّأْيُ فِيهَا إلَى الْقَاضِي إنْ رَأَى بَيْعَهَا وَصَرْفَ ثَمَنِهَا عَلَى عِمَارَةِ الْمَقْبَرَةِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ وَقْفٌ وَلَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْوَقْفِ لَكِنَّ الْأَرْضَ مَوَاتٌ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ فَاتَّخَذَهَا أَهْلُ الْقَرْيَةِ مَقْبَرَةً فَالْأَشْجَارُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ جَعْلِهَا مَقْبَرَةً وَلَوْ بَنَى رَجُلٌ بَيْتًا فِي الْمَقْبَرَةِ لِحِفْظِ اللَّبِنِ وَنَحْوِهِ إنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْمَقْبَرَةِ لَكِنْ إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ بِدَفْعِ الْبِنَاءِ لِيَقْبُرَ فِيهِ وَمَنْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ قَبْرًا فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَقْبُرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ سَعَةٌ إلَّا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُوحِشَهُ إنْ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ.

كَمَنْ بَسَطَ سَجَّادَةً

ــ

[منحة الخالق]

عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ رَحَلُوا وَتَدَاعَى مَسْجِدُ الْقَرْيَةِ إلَى الْخَرَابِ وَبَعْضُ الْمُتَغَلِّبَةِ يُسْتَوْلَوْنَ عَلَى خَشَبِ الْمَسْجِدِ وَيَنْقُلُونَهُ إلَى دُورِهِمْ هَلْ لِوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنْ يَبِيعَ الْخَشَبَ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيُمْسِكَ الثَّمَنَ لِيَصْرِفَهُ إلَى بَعْضِ الْمَسَاجِدِ أَوْ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ قَالَ نَعَمْ وَحَكَى أَنَّهُ وَقَعَ (قَوْلُهُ قُلْتُ: إنْ شَاءَ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا عَادَ إلَى مِلْكِ بَانِيهِ أَوْ وَارِثِهِ لَا يُلْزَمُ بِصَرْفِهِ بَلْ إنْ شَاءَ صَرَفَهُ وَإِنْ شَاءَ أَبْقَاهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَلَا نَقْلُ مَالِهِ إلَى آخَرَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا آمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>