بِالدِّينِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَدْلًا وَكَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْإِمَامُ لِلْخِتَانِ وَقْتًا مَعْلُومًا لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاخْتَلَفُوا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعُ سِنِينَ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عَشَرَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرَمَةٌ لِلنِّسَاءِ إذْ جِمَاعُ الْمَخْتُونَةِ أَلَذُّ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَانَ النِّسَاءُ يَخْتَتِنَّ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي النَّوَازِلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَقْلَفِ وَلَا ذَبِيحَتَهُ وَعُلَمَاؤُنَا قَالُوا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.
(فَائِدَةٌ) مِنْ كَرَاهِيَةِ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ فِي خِتَانِ الْكَبِيرِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَشْتَرِيَ خَتَّانَةً فَتَخْتِنَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الْكَبِيرِ يَخْتِنُهُ الْحَمَّامِيُّ وَكَذَا عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ لَا بَأْسَ لِلْحَمَّامِيِّ أَنْ يَطْلِيَ عَوْرَةَ غَيْرِهِ بِالنُّورَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْخُنْثَى) فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ مَنْزُوعُ الْخُصَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِسْقُ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَهُوَ امْرَأَةٌ فِي الشَّهَادَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ
(قَوْلُهُ وَالْعُمَّالِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِمْ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْكَذِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ عَوْنًا عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَاتِ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ وَكَيْفَ لَا وَكَسْبُهُمْ أَطْيَبُ كَسْبٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحِرْفَةُ لَائِقَةً بِهِ بِأَنْ تَكُونَ حِرْفَةَ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ إذَا كَانَتْ حِرْفَةً دَنِيَّةً فَلَا شَهَادَةَ لَهُ لِمَا عُرِفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَذِبَ وَالْخَلْفَ فِي الْوَعْدِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يُجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمُ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضَمَانِ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَلَا اهـ.
وَفِي إطْلَاقِ الْعَامِلِ عَلَى الْخَلِيفَةِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ قَبِلَ عَمَلًا مِنْ الْخَلِيفَةِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى فَشَهِدَ لَهُ عُمَّالُهُ وَدَوَاوِينُهُ وَنُوَّابُهُ وَرَعَايَاهُمْ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ اهـ.
وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الدَّلَّالِ وَمُحْضَرِ قُضَاةِ الْعَهْدِ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ وَالصَّكَّاكِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَقِ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَعَكْسِهِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَقَدْ قَبِلَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ عَتِيقَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ، وَأَمَّا قَنْبَرٌ فَهُوَ جَدُّ سِيبَوَيْهِ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُشْتَبَهِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَفِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ لِلْحَافِظِ بْنِ حَجَرٍ: شُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْكُوفِيُّ النَّخَعِيّ الْقَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ ثِقَةٌ وَقِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ مَاتَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَلَهُ مِائَةٌ وَثَمَانِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرُ يُقَالُ حَكَمَ سَبْعِينَ سَنَةً. اهـ.
قَيَّدْنَا بِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ تُقْبَلْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعِنْدِي فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرُ يَظْهَرُ لِمَنْ لَهُ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
قُلْت وَجْهُهُ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ أَنَّ الصَّحِيحَ قَبُولُ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيَّةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَحَيْثُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْعَدَالَةَ فَلَا نَظَرَ إلَى الْحِرْفَةِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ عُدُولُهُ عَنْ حِرْفَةِ آبَائِهِ الشَّرِيفَةِ إلَى الْحِرْفَةِ الْخَسِيسَةِ يَدُلُّ عَلَى رَذَالَتِهِ وَعَدَمِ مُرُوءَتِهِ وَمُبَالَاتِهِ لَكِنْ هَذَا حَيْثُ كَانَ بِلَا دَاعٍ إلَيْهِ مِنْ عَجْزٍ أَوْ عَدَمِ أَسْبَابٍ أَوْ قِلَّةِ يَدٍ تَقْصُرُهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَلَّمَهُ فِي صِغَرِهِ هَذِهِ الْحِرْفَةَ الدَّنِيَّةَ فَكَبِرَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهَا فَإِذَا كَانَ عَدْلًا فَمَا وَجْهُ رَدِّ شَهَادَتِهِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شَهَادَةَ خُدَّامِهِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ مُلَازَمَةً كَمُلَازَمَةِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا تَأَمَّلْ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَمِثْلُهُ فِي شَهَادَاتِ جَامِعِ الْفَتَاوَى بِصِيغَةِ أَعْوَانِ الْحُكَّامِ وَالْوُكَلَاءِ عَلَى بَابِ الْقُضَاةِ لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَاعُونَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَهُمْ فُسَّاقٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ فَتُقْبَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي الصَّكَّاكِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَّالِ وَالْمُحْضَرِ وَالْوَكِيلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ تَأَمَّلْ.