وَجَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَائِعَاتِ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا لِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ فَعَنْهُ أَخَذُوا كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ طَهَارَتُهُ أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ إلَى هُنَا أَنَّ التَّطْهِيرَ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ بِالْغَسْلِ وَالدَّلْكِ وَالْجَفَافِ وَالْمَسْحِ فِي الصَّقِيلِ دُونَ مَاءٍ وَالْفَرْكُ يَدْخُلُ فِي الدَّلْكِ وَالْخَامِسُ مَسْحُ الْمَحَاجِمِ بِالْمَاءِ بِالْخِرَقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالسَّادِسُ النَّارُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَرْضِ إذَا احْتَرَقَتْ بِالنَّارِ وَالسَّابِعُ انْقِلَابُ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْخَمْرِ فَلَا خِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ كَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ تَقَعُ فِي الْمُمَلَّحَةِ فَتَصِيرُ مِلْحًا يُؤْكَلُ وَالسِّرْقِينُ وَالْعَذِرَةُ تَحْتَرِقُ فَتَصِيرُ رَمَادًا تَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَضَمَّ إلَى مُحَمَّدٍ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمُحِيطِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخ اخْتَارُوا قَوْلَ مُحَمَّدٍ
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ وَتَنْتَفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ فَإِنَّ الْمِلْحَ غَيْرُ الْعَظْمِ وَاللَّحْمِ فَإِذَا صَارَ مِلْحًا تَرَتَّبَ حُكْمُ الْمِلْحِ وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ عَلَقَةً وَهِيَ نَجِسَةٌ وَتَصِيرُ مُضْغَةً فَتَطْهُرُ وَالْعَصِيرُ طَاهِرٌ فَيَصِيرُ خَمْرًا فَيُنَجَّسُ وَيَصِيرُ خَلًّا فَيَطْهُرُ فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ تَسْتَتْبِعُ زَوَالَ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَرَّعُوا الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ صَابُونٍ صُنِعَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى جَعْلُ الدُّهْنِ النَّجَسُ فِي صَابُونٍ يُفْتَى بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَالتَّغْيِيرُ يُطَهِّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَيُفْتَى بِهِ لِلْبَلْوَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَرَمَادُ السِّرْقِينِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ عَكْسُ الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّمَادَ طَاهِرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهَا أَيْضًا الْعَذِرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ تَطْهُرُ كَالْحِمَارِ الْمَيِّتِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَمْلَحَةِ فَصَارَ مِلْحًا يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي الْخُلَاصَةِ فَارَةٌ وَقَعَتْ فِي دُنِّ خَمْرٍ فَصَارَ خَلًّا يَطْهُرُ إذَا رَمَى بِالْفَأْرَةِ قَبْلَ التَّخَلُّلِ وَإِنْ تَفَسَّخَتْ الْفَأْرَةُ فِيهَا لَا يُبَاحُ، وَلَوْ وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي الْعَصِيرِ ثُمَّ تَخَمَّرَ الْعَصِيرُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ لَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْخَمْرِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَكَذَا لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْعَصِيرِ، ثُمَّ تَخَمَّرَ، ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَطْهُرُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صُبَّ الْمَاءُ فِي الْخَمْرِ، ثُمَّ صَارَتْ الْخَمْرُ خَلًّا تَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَأَدْخَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّطْهِيرَ بِالنَّارِ فِي الِاسْتِحَالَةِ وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَقَ مَوْضِعَ الدَّمِ مِنْ رَأْسِ الشَّاةِ وَالتَّنُّورُ إذَا رُشَّ بِمَاءٍ نَجَسٍ لَا بَأْسَ بِالْخَبْزِ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَكَذَا الطِّينُ النَّجَسُ إذَا جَعَلَ مِنْهُ الْكُوزُ أَوْ الْقِدْرُ وَجُعِلَ فِي النَّارِ يَكُونُ طَاهِرًا، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالثَّامِنُ الدِّبَاغُ وَقَدْ مَرَّ، وَالتَّاسِعُ الذَّكَاةُ فَكُلُّ حَيَوَانٍ يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْعَاشِرُ النَّزْحُ فِي الْآبَارِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْمُطَهِّرَاتِ عَشَرَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَاقِلًا عَنْ صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخُرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيُ) ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَأْخُذُهُ الطَّرَفُ كَوَقْعِ الذُّبَابِ مَخْصُوصٌ مِنْ نَصِّ التَّطَهُّرِ اتِّفَاقًا فَيَخُصُّ أَيْضًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ بِنَصِّ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ قَدْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ الْحَجَرُ مُطَهِّرًا حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي قَلِيلِ مَاءٍ نَجَّسَهُ أَوْ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَالْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِصَابَةِ فَلَوْ كَانَ دُهْنًا نَجِسًا قَدْرَ دِرْهَمٍ فَانْفَرَشَ فَصَارَ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ فِي اخْتِيَارِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَمُخْتَارُ غَيْرِهِمْ الْمَنْعُ فَلَوْ صَلَّى قَبْلَ اتِّسَاعِهِ جَازَتْ وَبَعْدَهُ لَا وَبِهِ أَخَذَ الْأَكْثَرُونَ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَنَظِيرُهُ فِي الشَّرْعِ النُّطْفَةُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ فَرْكِ الْمَنِيِّ فَتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَسْعُودِيَّ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْعَلَقَةَ وَالْمُضْغَةَ نَجِسَتَانِ كَالْمَنِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ الْبَحْرِ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ جَزَمَ هُنَاكَ بِأَنَّ الْمُضْغَةَ نَجِسَةٌ وَنَقَلَ هُنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَأَقَرَّهُ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ لِتَصْرِيحِ النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ بِذَلِكَ وَلِمَا تَقَدَّمَ فِي النِّفَاسِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ السِّقْطَ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ لَا عِبْرَةَ لَهُ أَصْلًا وَهُوَ كَالدَّمِ. اهـ.
فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَبِينِ الْخَلْقِ أَنْ يَكُونَ مُضْغَةً غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ حُكْمَهَا كَالدَّمِ يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَقِيقَةِ الدَّمِ كَالنُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ وَهُمَا نَجِسَتَانِ فَتَكُونُ الْمُضْغَةُ نَجِسَةً فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ التَّنَاقُضِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْقَوْلُ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ الْغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ أَيْ الَّتِي لَمْ تُنْفَخْ فِيهَا الرُّوحُ وَالْقَوْلُ بِالطَّهَارَةِ عَلَى الْمُضْغَةِ الْمُخَلَّقَةِ أَيْ الَّتِي نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ لِمَا نَقَلْنَاهُ فِي النِّفَاسِ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: ٥] أَنَّ التَّخْلِيقَ بِنَفْخِ الرُّوحِ فَالْمُخَلَّقَةُ مَا نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ وَغَيْرُ الْمُخَلَّقَةِ مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهَا الرُّوحُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ نَفْخُ الرُّوحِ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَمْنَعُ) قَالَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِهِ يُفْتَى لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا وَبِهِ أَيْ بِالْقَوْلِ الثَّانِي يُؤْخَذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute