النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدَةٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهِهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ مُتَّحِدَةً فِيهِمَا، ثُمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ حَمَلَ مَيِّتًا إنْ كَانَ كَافِرًا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُغَسَّلْ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ غُسِّلَ، فَإِنْ اسْتَهَلَّ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا، وَمُرَادُهُ مِنْ الْعَفْوِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ بِدُونِ إزَالَتِهِ لَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَقَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ نُظِرَ إنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ فَالْأَفْضَلُ إزَالَتُهَا وَاسْتِقْبَالُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ الْمَاءَ وَيَجِدُ جَمَاعَةً آخَرِينَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاةِ الْجَائِزَةِ بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يَقْطَعُهَا. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ لِتَجْوِيزِهِمْ رَفْضَ الصَّلَاةِ لِأَجْلِهَا وَلَا تُرْفَضُ لِأَجْلِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا وَسَوَّى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ فِي الْكَرَاهَةِ وَرَفَضِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُحِيطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْرُ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ وَيَكُونُ مُسِيئًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا اهـ.
وَأَرَادَ بِالدِّرْهَمِ الْمِثْقَالَ الَّذِي وَزْنُهُ عِشْرُونَ قِيرَاطًا وَعَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ دِرْهَمُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَعَرْضِ الْكَفِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ بَسْطُ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْمِسَاحَةُ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ وَالْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ كَالْبَوْلِ وَرِوَايَةَ الْوَزْنِ فِي الثَّخِينِ وَاخْتَارَ هَذَا التَّوْفِيقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَفِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْمُجْتَبَى وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا أَمْكَنَ أَوْلَى خُصُوصًا مَعَ مُنَاسَبَةِ هَذَا التَّوْزِيعِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ عَنْ قَلِيلِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ فَقَالَ إذَا كَانَ مِثْلَ ظُفْرِي هَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَظُفْرُهُ كَانَ مِثْلُ الْمِثْقَالِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَالَ النَّخَعِيّ أَرَادُوا أَنْ يَقُولُوا مِقْدَارُ الْمَقْعَدَةِ فَاسْتَقْبَحُوا ذَلِكَ وَقَالُوا مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ مَا وَرَاء مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ صَرِيحًا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدِّرْهَمِ مِنْ حَيْثُ الْعَرْضُ أَوْ الْوَزْنُ، وَإِنَّمَا رَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةَ الْعَرْضِ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي النَّوَادِرِ وَرِوَايَةُ الْوَزْنِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً إنَّمَا أُشِيرَ إلَيْهَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ الدِّرْهَمُ الْكَبِيرُ الْمِثْقَالِيُّ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا يَثْبُتُ بِهِ التَّغْلِيظُ وَالتَّخْفِيفُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - التَّخْفِيفُ وَالتَّغْلِيظُ بِتَعَارُضِ النَّصَّيْنِ وَعَدَمِهِ وَقَالَا بِالِاخْتِلَافِ وَعَدَمِهِ، كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ وَرَدَ نَصٌّ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ شَيْءٍ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ تَعَارَضَ نَصَّانِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إنْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَهُوَ مُغَلَّظٌ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فَهُوَ مُخَفَّفٌ هَكَذَا تَوَارَدَتْ كَلِمَتُهُمْ وَزَادَ فِي الِاخْتِيَارِ فِي تَفْسِيرِ الْغَلِيظَةِ عِنْدَهُ وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَمُرَادُهُ إلَخْ) أَيْ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ إلَخْ) أَقُولُ: إنْ كَانَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ فِي قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَهُوَ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بَلْ لِإِطْلَاقِهِ لَهَا كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ حَيْثُ تَنْصَرِفُ إلَى التَّحْرِيمِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ فَمَمْنُوعٌ بِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي بَلْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِقَوْلِهِ فَالْأَفْضَلُ إزَالَتُهَا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ الْإِزَالَةِ فُضَيْلٍ وَلَا فَضِيلَةَ فِي الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي الدِّرْهَمِ لَا فِيمَا دُونَهُ فَعِبَارَةُ السِّرَاجِ حِينَئِذٍ كَعِبَارَةِ الْخُلَاصَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إذَا كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ يَجِبُ وَإِنْ زَادَ يُفْرَضُ. اهـ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فَلَا. اهـ.
وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الْقَطْعَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ. اهـ.
وَبِهِ يَظْهَرُ مَا فِي قَوْلِهِ وَلَا تُرْفَضُ لِأَجْلِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَالْمُصَنِّفُ فِي كَافِيهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا مَوْجُودَةٌ عَقِبَ قَوْلِهِ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ. (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ تَغْرِفَ الْمَاءَ بِالْيَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute